الحبّ ، ولا يتقصّف ۱ من نهش اللحم ، ولمّا عدم الأسنان وصار يزدرد الحبّ صحيحا واللحم غريضا ، اُعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ ، واعتبر ذلك بأنّ عُجْم العنب وغيرِه يخرج من أجواف الإنس صحيحا ، ويطحن في أجواف الطير لا يرى له أثر .
ثمّ جُعل ممّا يبيض بيضا ولا يولد ولادة لكيلا يثقل على ۲ الطيران ، فإنّه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتّى تستحكم ، لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران ، فجعل كلّ شيء من خلقه متشاكلاً للأمر الذي قدّر أن يكون عليه ، ثمّ صار الطائر السائح في هذا الجوّ يعقد على بيضه فيحضنه اُسبوعا ، وبعضها اُسبوعين ، وبعضها ثلاثة أسابيعَ حتّى يخرج البيضة من الفرخ ۳ ، ثمّ يقبل عليه، فيزقّه الريح ليتّسع حوصلته للغذاء ، ثمّ يربّيه ويُغذّيه بما يعيش به ، فما كلّفه أن يلتقط الطعم ويستخرجه بعد أن يستقرّ في حوصلته ويغذو به فراخه ، ولأيّ معنى يحتمل هذه المشقّة ، وليس بذي رويّة ولا تفكّر ولا تأمّل في فراخه ما يأمل الإنسان في ولده من العزّ والرفد وبقاء الذكر ، فهذا هو فعل يشهد بأنّه معطوف على فراخه لعلّة لا يعرفها ولا يفكّر فيها، وهي دوام النسل وبقاؤه لطفا من اللّه تعالى ذكره .
اُنظر إلى الدجاجة كيف تهيج لحصن البيض والتفريخ ، وليس لها بيض مجتمع ولا وَكْر موطَّأ، بل تنبعث وتنتفخ وتَقَوْقى وتمتنع من الطعم حتّى يجتمع لها البيض، فتحضنه وتفرخ ، فلِمَ كان ذلك منها إلّا لإقامة النسل؟ ولا رويّة ولا تفكّر ، لولا أنّها مجبولة على ذلك .
اعتبر بخلق البيضة وما فيها من المخّ الأصفر الخاثر، ۴ والماء الأبيض الرقيق ؛