191
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الحبّ ، ولا يتقصّف ۱ من نهش اللحم ، ولمّا عدم الأسنان وصار يزدرد الحبّ صحيحا واللحم غريضا ، اُعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ ، واعتبر ذلك بأنّ عُجْم العنب وغيرِه يخرج من أجواف الإنس صحيحا ، ويطحن في أجواف الطير لا يرى له أثر .
ثمّ جُعل ممّا يبيض بيضا ولا يولد ولادة لكيلا يثقل على ۲ الطيران ، فإنّه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتّى تستحكم ، لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران ، فجعل كلّ شيء من خلقه متشاكلاً للأمر الذي قدّر أن يكون عليه ، ثمّ صار الطائر السائح في هذا الجوّ يعقد على بيضه فيحضنه اُسبوعا ، وبعضها اُسبوعين ، وبعضها ثلاثة أسابيعَ حتّى يخرج البيضة من الفرخ ۳ ، ثمّ يقبل عليه، فيزقّه الريح ليتّسع حوصلته للغذاء ، ثمّ يربّيه ويُغذّيه بما يعيش به ، فما كلّفه أن يلتقط الطعم ويستخرجه بعد أن يستقرّ في حوصلته ويغذو به فراخه ، ولأيّ معنى يحتمل هذه المشقّة ، وليس بذي رويّة ولا تفكّر ولا تأمّل في فراخه ما يأمل الإنسان في ولده من العزّ والرفد وبقاء الذكر ، فهذا هو فعل يشهد بأنّه معطوف على فراخه لعلّة لا يعرفها ولا يفكّر فيها، وهي دوام النسل وبقاؤه لطفا من اللّه تعالى ذكره .
اُنظر إلى الدجاجة كيف تهيج لحصن البيض والتفريخ ، وليس لها بيض مجتمع ولا وَكْر موطَّأ، بل تنبعث وتنتفخ وتَقَوْقى وتمتنع من الطعم حتّى يجتمع لها البيض، فتحضنه وتفرخ ، فلِمَ كان ذلك منها إلّا لإقامة النسل؟ ولا رويّة ولا تفكّر ، لولا أنّها مجبولة على ذلك .
اعتبر بخلق البيضة وما فيها من المخّ الأصفر الخاثر، ۴ والماء الأبيض الرقيق ؛

1.يتقصّف ، أي يتكسّر .

2.في المصدر : «عن» .

3.في المصدر : «حتّى يخرج الفرخ من البيضة».

4.الخثورة ، نقيض الرقّة . يقال : خثر اللبن خثورة ، بمعنى اشتدّ وثخن . اُنظر: لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۲۳۰ ؛ مجمع البحرين ، ج ۳ ، ص ۲۸۲ (خثر) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
190

نَشْز ۱ من الأرض لكيلا يفيض السيل فيغرقها ، فكلّ هذا منه بلا عقل ولا رويّة ، بل خلقة خلق عليها لمصلحة لطفا من اللّه جلَّ وعزّ .
اُنظر إلى هذا الذي يُقال له الليث ، وتسمّيه العامّة أسدَ الذباب ، وما اُعطي من الحيلة والرفق في طلب معاشه ؛ فإنّك تراه حين يحسّ بالذباب قد وقع قريبا منه تركه مليّا حتّى كأنّه موات لا حِراك به ، فإذا رأى الذباب قد اطمئنّ وغفل عنه دَبَّ دبيبا دقيقا حتّى يكون منه بحيث يناله وثبَه، ثمّ يثب عليه فيأخذه ، فإذا أخذه اشتمل عليه بجسمه كلّه مخافةَ أن ينجو منه ، فلا يزال قابضا عليه حتّى يحسّ بأنّه قد ضعف واسترخى ، ثمّ يقبل عليه فيفترسه، ويحيا [بذلك] منه .
فأمّا العنكبوت ، فإنّه ينسج ذلك النسجَ ، فيتّخذه شَرَكا ومصيدا للذباب ، ثمّ يكمن في جوفه ، فإذا نشب فيه الذباب أحال عليه يلدغه ساعة بعد ساعة، فيعيش بذلك منه .
فكذلك يحكى صيد الكلاب والفهود ، وهكذا يحكى صيد الأشراك والحبائل .
فانظر إلى هذه الدُّوَيبة الضعيفة كيف جُعل في طبعها ما لا يبلغه الإنسان إلّا بالحيلة واستعمالات آلات فيها ، فلا تزدر بالشيء إذا كانت العبرة فيه واضحةً كالذرّة والنملة وما أشبه ذلك ؛ فإنّ المعنى النفيس قد يمثّل بالشيء الحقير ، فلا يضع منه ذلك كما لا يضع من الدينار ـ وهو من ذهب ـ أن يوزَن بمثقال حديد .
تأمّل يا مفضّل جسمَ الطائر وخلقته ، فإنّه حين قدّر أن يكون طائرا في الجوّ خفّف جسمه ، واُدمج خلقه ، فاقتصر به من القوائم الأربع على اثنتين ، ومن الأصابع الخمس على أربع ، ومن منفذين للذبل والبول على واحد يجمعهما ، ثمّ خُلق ذا جؤجؤ محدّد؛ ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيف ما أخذ فيه ، كما جُعل في السفينة بهذه الطبيعة لتشقّ الماء وتنفذ ، وجُعل في جناحيه وذَنَبه ريشاتٌ طِوال مِتان لينهض بها للطيران ، وكسى كلّه ليداخله الهواء فيقلّه ، ولمّا قدّر أن يكون طعمه الحَبَّ واللحمَ يبلعه بلعا بلا مضغ ، نَقَصَ من خلقه ۲ ، وخلق له منقار صلب حاس ۳ يتناول به طعمه، فلا ينسحج ۴ من لقط

1.النشز : المكان المرتفع .

2.في المصدر : «من خلقة الإنسان» .

3.في المصدر : «جاسي» .

4.ينسحج ، أي ينتشر .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 128272
صفحه از 637
پرینت  ارسال به