193
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الريشة ، وهو مع ذلك أجوف ليخفّ على الطائر، ولا يعوقه عن الطيران .
هل رأيت يا مفضّل هذا الطائر الطويل الساقين ؟ وعرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه ؟ فإنّه أكثرَ ذلك في ضحضاح ۱ من الماء ، فتراه بساقين طويلين كأربيئة ۲ فوق مرقب ، وهو يتأمّل ما يدبّ في الماء ، فإذا رأى شيئا ممّا يتقوّت به خطا خطواتٍ رقيقا حتّى يتناوله ، ولو كان قصير الساقين كان يخطو نحو الصيد ليأخذه يصيب بطنه الماء، فيثور ويذعر منه ، فيتفرّق عنه ، فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ، ولا يفسد عليه مطلبه .
تأمّل ضروب التدبير في خلق الطائر ، فإنّك تجد كلّ طائر طويلَ الساقين طويلَ العنق، وذلك ليتمكّن من تناول طعمه من الأرض ، ولو كان طويلَ الساقين قصيرَ العنق لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض ، وربّما اُعين مع طول العنق بطول المناقير ليزداد الأمر عليه سهولةً وله إمكانا ، أفلا ترى أنّك لا تفتّش شيئا من الخلقة إلّا وجدته على غاية الصواب والحكمة» . ۳
قال عليه السلام : «فأمّا الطائر الصغير ـ الذي يُقال له : أبو تمرة ۴ ـ فقد عشّش في بعض الأوقات في بعض الشجر ، فنظر إلى حيّة قد أقبلت نحوَ عُشّه فاغرة فاها لتبلعه ، فبينما هو يتقلّب ويضطرب في طلب حيلة منها إذا وجد حسكة ، فحملها، فألقاها في فم الحيّة ، فلم تزل الحيّة تتلوى وتتقلّب حتّى ماتت ، أفرأيت لو لم أخبرك بذلك كان يخطر ببالك أو ببال غيرك أنّه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة ؟ أو يكون من طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة ؟». ۵

1.الضحضاح : ما رقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، أو الماء القليل يكون في الغدير وغيره . لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۵۲۵ (ضحح) .

2.في المصدر : «كأنّه ربيئة» .

3.توحيد المفضّل ، ص ۱۰۵ ـ ۱۱۹ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۹۷ ـ ۱۰۶.

4.في المصدر : «ابن تمرة» .

5.توحيد المفضّل ، ص ۱۲۱ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۰۶ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
192

فبعضه منتشر منه الفرخ ، وبعضه ليتغذّى به إلى أن تنقاب عنه البيضة ، وما في ذلك من التدبير ؛ فإنّه لمّا كان نشوء الفرخ في تلك القشرة المستخصفة ۱ التي لا مساغ لشيء ما إليها ، يجعل معه في جوفها من الغذاء ما يكتفى به إلى وقت خروجه منها ، كمن يحبس في حبس حصين إلى أن يوصل إلى من فيه ، فيجعل معه من القوت ما يكتفى إلى وقت خروجه منه .
فكِّر في حوصَلَة الطائر وما قدّر له ، فإنّ مسلك الطعم إلى القانصة ۲ ضيّق لاينفذ فيه الطعام إلّا قليلاً قليلاً ، فلو كان الطائر لا يلقط حبّة ثانية حتّى تصل الاُولى إلى القانصة، لطال عليه ، ومتى كان يستوفي طعمه فإنّما يختلسه اختلاسا لشدّة الحذر ، فجُعلت الحوصلة كالمِخلاة ۳ المعلّقة أمامَه ليوعي فيها ما أدرك من الطعم بسرعة ، ثمّ ينفذه إلى القانصة على مهل ، وفي الحوصلة أيضا خلّة اُخرى ؛ فإنّ من الطائر ما يحتاج إلى أن يزقّ فراخَه ، فيكون ردّه الطعمَ من قربٍ أسهلَ عليه» .
قال : فقلت : إنّ قوما من المعطّلة يزعمون أنّ اختلاف الألوان والأشكال في الطير يكون من قِبَل اختلاط امتزاج الأخلاط واختلاف مقاديرها بالمزاج ۴ والإهمال .
فقال : «يا مفضّل ، هذا الريش الذي تراه في الطواويس والدرّاج والتدارج على استوائه مقابلة ۵ كنحو ما يخطّ بالأقلام ، كيف يأتي به الامتزاج المهمل على شكلٍ واحد لا يختلف ، ولو كان بالإهمال لعدم الاستواء ولكان مختلفا ؛ تأمّل ريش الطير كيف هو ؟ فإنّك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك دِقاقٍ قد اُلّف بعضه إلى بعض، كتأليف الخطّ إلى الخيط ، والشعرة إلى الشعرة ، ثمّ ترى ذلك النسيج إذا مددته ينفتح قليلاً، ولا ينشقّ لتدخله الريح ، فتنقل الطائر إذا طار ، وترى في وسط الريشة عمودا غليظا متينا قد نسج عليه الذي هو مثل الشعر ليمسكه بصلابته ، وهو القصبة التي في وسط

1.في المصدر : «المستحفظة» .

2.القانصة للطير كالمعدة للإنسان . لسان العرب ، ج ۷ ، ص ۸۳ (قنص) .

3.المخلاة : ما يجعل فيه العلف ويعلق في عنق الدابّة . راجع : لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۲۳۷ (خلا) .

4.في المصدر : «المرج» بدل «بالمزاج» .

5.في المصدر : «على استواء ومقابلة» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 128270
صفحه از 637
پرینت  ارسال به