الريشة ، وهو مع ذلك أجوف ليخفّ على الطائر، ولا يعوقه عن الطيران .
هل رأيت يا مفضّل هذا الطائر الطويل الساقين ؟ وعرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه ؟ فإنّه أكثرَ ذلك في ضحضاح ۱ من الماء ، فتراه بساقين طويلين كأربيئة ۲ فوق مرقب ، وهو يتأمّل ما يدبّ في الماء ، فإذا رأى شيئا ممّا يتقوّت به خطا خطواتٍ رقيقا حتّى يتناوله ، ولو كان قصير الساقين كان يخطو نحو الصيد ليأخذه يصيب بطنه الماء، فيثور ويذعر منه ، فيتفرّق عنه ، فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ، ولا يفسد عليه مطلبه .
تأمّل ضروب التدبير في خلق الطائر ، فإنّك تجد كلّ طائر طويلَ الساقين طويلَ العنق، وذلك ليتمكّن من تناول طعمه من الأرض ، ولو كان طويلَ الساقين قصيرَ العنق لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض ، وربّما اُعين مع طول العنق بطول المناقير ليزداد الأمر عليه سهولةً وله إمكانا ، أفلا ترى أنّك لا تفتّش شيئا من الخلقة إلّا وجدته على غاية الصواب والحكمة» . ۳
قال عليه السلام : «فأمّا الطائر الصغير ـ الذي يُقال له : أبو تمرة ۴ ـ فقد عشّش في بعض الأوقات في بعض الشجر ، فنظر إلى حيّة قد أقبلت نحوَ عُشّه فاغرة فاها لتبلعه ، فبينما هو يتقلّب ويضطرب في طلب حيلة منها إذا وجد حسكة ، فحملها، فألقاها في فم الحيّة ، فلم تزل الحيّة تتلوى وتتقلّب حتّى ماتت ، أفرأيت لو لم أخبرك بذلك كان يخطر ببالك أو ببال غيرك أنّه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة ؟ أو يكون من طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة ؟». ۵
1.الضحضاح : ما رقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، أو الماء القليل يكون في الغدير وغيره . لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۵۲۵ (ضحح) .
2.في المصدر : «كأنّه ربيئة» .
3.توحيد المفضّل ، ص ۱۰۵ ـ ۱۱۹ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۹۷ ـ ۱۰۶.
4.في المصدر : «ابن تمرة» .
5.توحيد المفضّل ، ص ۱۲۱ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۰۶ .