فكِّر الآنَ في كثرة نسله وما خصّ به من ذلك ، فإنّك ترى في جوف السمكة الواحدة من البيض ما لا يحصى كثرةً ، والعلّة في ذلك أن يتّسع لما يغتذي به من أصناف الحيوان ؛ فإنّ أكثرها يأكل السمك أيضا ، حتّى أنّ السباع أيضا في حافات الآجام عاكفة على الماء أيضا كي يرصد السمك ، فإذا مرَّ بها خطفته ، فلمّا كانت السباع تأكل السمك ، والطير يأكل السمك ، والناس يأكلون السمك ، والسمك يأكل السمك ، كان من التدبير فيه أن يكون على ما هو عليه من الكثرة ، فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق وقِصَر علوم المخلوقين ؛ فانظر إلى ما في البحار من ضروب السمك ، ودوابّ الماء والأصداف ، والأصناف التي لا تحصى ولا يعرف منافعها إلّا الشيء بعد الشيء ، يدرك الناس بأسباب تحدث ، مثل القرمز ؛ فإنّه إنّما عرف الناس صبغه بأنّ كلبته تجول على شاطئ البحر ، فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمّى الحيلزون ۱ ، فأكلته فاختضبت خطمها بدمه ، فنظر الناس إلى حسنه فاتّخذوه صبغا ، وأشباه هذا ممّا يقف الناس عليه حالاً بعد حال ، وزمانا بعد زمان» . ۲
فصل : في السحاب المسخّر بين السماء والأرض
قال عليه السلام : «اُنبّهك يا مفضّل على الريح وما فيها ؛ ألست ترى ركودها إذا ركدت كيف يحدث الكرب الذي يكاد أن يأتي على النفوس ، ويمرض الأصحّاء ، وينهك المرضى ، ويفسد الثمار، ويعفن البقول ، ويعقب الوباءَ في الأبدان ، والآفةَ على الغلّات ، ففي هذا بيان أنّ هبوب الريح من تدبير الحكيم في صلاح الهواء . ۳
واُنبّهك عن الهواء بخلّة اُخرى ؛ فإنّ الصوت أثر يؤثّره اصطكاك الأجسام في الهواء، والهواء يؤدّيه إلى المسامع ، والناس يتكلّمون في حوائجهم ومعاملاتهم طولَ نهارهم وبعضَ ليلهم ، فلوكان أثر هذه المكارم ۴ يبقى في الهواء كما يبقى الكتابة في