فصل : في السحاب المسخّر بين السماء والأرض
قال الصادق عليه السلام في الرسالة المشهورة بالإهليلجة :
«ثمّ نظرت العين إلى العظيم من الآيات من السحاب المسخّر بين السماء والأرض بمنزلة الدخان لا جسد له يلمس بشيء ، يعترض الركبان ، فيحول بعضهم من بعض من ظلمته وكثافته ، ويحتمل من ثِقَل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته ممّا فيه من الصواعق الصادعة ، والبروق اللامعة والرعد والثلج والبَرَد والجليد ما لا تبلغ الأوهامُ صفتَه ، ولا تهتدي القلوب إلى كنه معرفته ۱ ، فيخرج مستقلّاً في الهواء ، يجتمع بعد تفرّقه ، ويلتحم بعد تزايله ، تفرّقه الرياح من الجهات كلّها إلى حيث تسوقه بإذن اللّه ربّها ، يستفل مرّة ويعلو اُخرى ، متمسّك بما فيه من الماء الكثير الذي إذا أزجاه صارت منه البحور ، يمرّ على الأراضي الكثيرة والبلدان المتنائية لا تنقص منه قطرة ، حتّى ينتهي إلى ما لا يحصى من الفراسخ ، فيرسل فيه قطرةً بعد قطرة ، وسيلاً بعد سيل ، متتابع على رَسْله حتّى تنقع البِرَك ، وتمتلئ الفجاج ، وتعتلي الأودية تسيل كأمثال الجبال غاصّةً بسيولها ۲ ، مصمخةَ الأذان لدويّها وهديرها ، فتحيا به الأرض الميّتة، فتصبح مخضرّةً بعد أن كانت مُغْبَرّةً ، ومُعْشِبةً ۳ بعد أن كانت مُجْدَبةً ، قد كُسيت ألوانا من نبات عشبٍ نضرةٍ ۴ زاهرةٍ مزيّنة معاشا للناس والأنعام» . ۵
أقول : هذه الرسالة الشريفة من جملة بديع آثار أهل البيت عليهم السلام التي أودعتُها كتابَ شواهد الإسلام وشرحتها بالفارسيّة والعربيّة ، وأنا أذكر هاهنا ما ذكرت في شرح قوله عليه السلام : «تفرّقه الرياح من الجهات كلّها إلى حيث تسوقه بإذن اللّه » : التذاذ بحلاوت عبارت شريفه «تفرّقه الرياح» إلى آخره ، كه از ينبوع اعجاز نبوع كرده بعد از نقل
1.في المصدر : «عجائبه».
2.في المصدر : «بالسيول» .
3.أرض مُعْشِبه : بيّنة العَشابة ، كثيرة العُشْب . والعُشْب : الكلأ الرطب . لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۶۰۱ (عشب) . وفي المصدر : «معيشة».
4.في المصدر : «ناضرة».
5.بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۵۲ ، ح ۱ ؛ و ج ۶۱ ، ص ۵۵ ، ح ۴۵ .