197
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

فصل : في السحاب المسخّر بين السماء والأرض

قال الصادق عليه السلام في الرسالة المشهورة بالإهليلجة :
«ثمّ نظرت العين إلى العظيم من الآيات من السحاب المسخّر بين السماء والأرض بمنزلة الدخان لا جسد له يلمس بشيء ، يعترض الركبان ، فيحول بعضهم من بعض من ظلمته وكثافته ، ويحتمل من ثِقَل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته ممّا فيه من الصواعق الصادعة ، والبروق اللامعة والرعد والثلج والبَرَد والجليد ما لا تبلغ الأوهامُ صفتَه ، ولا تهتدي القلوب إلى كنه معرفته ۱ ، فيخرج مستقلّاً في الهواء ، يجتمع بعد تفرّقه ، ويلتحم بعد تزايله ، تفرّقه الرياح من الجهات كلّها إلى حيث تسوقه بإذن اللّه ربّها ، يستفل مرّة ويعلو اُخرى ، متمسّك بما فيه من الماء الكثير الذي إذا أزجاه صارت منه البحور ، يمرّ على الأراضي الكثيرة والبلدان المتنائية لا تنقص منه قطرة ، حتّى ينتهي إلى ما لا يحصى من الفراسخ ، فيرسل فيه قطرةً بعد قطرة ، وسيلاً بعد سيل ، متتابع على رَسْله حتّى تنقع البِرَك ، وتمتلئ الفجاج ، وتعتلي الأودية تسيل كأمثال الجبال غاصّةً بسيولها ۲ ، مصمخةَ الأذان لدويّها وهديرها ، فتحيا به الأرض الميّتة، فتصبح مخضرّةً بعد أن كانت مُغْبَرّةً ، ومُعْشِبةً ۳ بعد أن كانت مُجْدَبةً ، قد كُسيت ألوانا من نبات عشبٍ نضرةٍ ۴ زاهرةٍ مزيّنة معاشا للناس والأنعام» . ۵
أقول : هذه الرسالة الشريفة من جملة بديع آثار أهل البيت عليهم السلام التي أودعتُها كتابَ شواهد الإسلام وشرحتها بالفارسيّة والعربيّة ، وأنا أذكر هاهنا ما ذكرت في شرح قوله عليه السلام : «تفرّقه الرياح من الجهات كلّها إلى حيث تسوقه بإذن اللّه » : التذاذ بحلاوت عبارت شريفه «تفرّقه الرياح» إلى آخره ، كه از ينبوع اعجاز نبوع كرده بعد از نقل

1.في المصدر : «عجائبه».

2.في المصدر : «بالسيول» .

3.أرض مُعْشِبه : بيّنة العَشابة ، كثيرة العُشْب . والعُشْب : الكلأ الرطب . لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۶۰۱ (عشب) . وفي المصدر : «معيشة».

4.في المصدر : «ناضرة».

5.بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۵۲ ، ح ۱ ؛ و ج ۶۱ ، ص ۵۵ ، ح ۴۵ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
196

القرطاس لامتلأ العالم منه ، فكان يكربهم ويفدحهم ، وكانوا يحتاجون في تجديده والاستبدال إلى أكثرَ ممّا يحتاج إليه في تجديد القراطيس ؛ لأنّ ما يلقى ۱ من الكلام أكثرُ ممّا يُكتب ، فجعل الخلّاق الحكيم ـ جلّ قدسه ـ هذا الهواء قرطاسا خفيّا يحمل الكلام رَيْثَما يبلغ العالم حاجتهم ، ثمّ يمحا فيعود جديدا نقيّا ، ويحمل ما حمل أبدا بلا انقطاع .
وحسبك بهذا النسيم ـ المسمّى هواءً ـ عبرةً وما فيه من المصالح ؛ فإنّه حياة هذه الأبدان ، والممسك لها من داخل بما يستنشق منه ، ومن خارج بما تباشر به من روحه ، وفيه يطرد هذه الأصوات ، فيؤدّي بها من البُعد البعيد ، وهو الحامل لهذه الأراييج ۲ ينقلها من موضع إلى موضع ؛ ألا ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهبّ الريح ، وكذلك الصوت وهو القابل لهذا الحرّ والبرد اللَذيْن يعتقبان ۳ على العالم لصلاحه ، ومنه هذه الريح الهابّة ، فالريح يروح عن الأجسام ، ويرخي السحاب من موضع إلى موضع ليعمّ نفعه حتّى يستكثف ، فيمطر ، وتفضّه حتّى يستخفّ فيتفشّى ، ويلقّح الشجر ، وتسيّر السفن ، وترخي الأطعمة وتبرّد الماء ، وتشبّ النار ، وتجفّف الأشياء النديّة .
وبالجملة ، إنّها تُحيي كلّ ما في الأرض ، فلولا الريح لذوى النبات ، ومات الحيوان ، وحَمت الأشياء وفسدت» . ۴
أقول : ولنقتصر على هذا القدر ممّا ذكر الإمام عليه السلام في توحيد المفضّل من الحِكم والمصالح ، مع أنّها بالنسبة إلى ما كتب قلم الصنع في أوراق الأنفس والآفاق غرفة من نهر ، بل قطرة من بحر : «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادا لِكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدا»۵ .

1.في المصدر : «يلقى» .

2.في المصدر : «الأرواح» .

3.في المصدر : «يتعاقبان» .

4.توحيد المفضّل ، ص ۱۴۰ ـ ۱۴۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۱۹ .

5.الكهف (۱۸) : ۱۰۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 128180
صفحه از 637
پرینت  ارسال به