ونظمها على ما هي عليه ؛ فإنّك إذا تأمّلت العالم بفكرك وميّزته ۱ بعقلك ، وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميعُ ما يحتاج إليه عباده ؛ فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم منضودة ۲ كالمصابيح ، والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكلّ شيء فيها لشأنه معدّ ، والإنسان كالمملَّك ذلك البيت ، والمخوّل جميع ما فيه ، وضروب النبات مهيّأة لمآربه ، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ؛ ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملاءمة ، وأنّ الخالق له واحد ، وهو الذي ألّفه ونظمه بعضا إلى بعض ، جلّ قدسه ، تعالى وكرم وجهه ، ولا إله غيره ، تعالى عمّا يقول الجاحدون ، وجلّ وعظم عمّا ينتحله الملحدون» . ۳
وقال عليه السلام في كتابه الآخَر المسمّى إهليلجة :
«والعجب من المخلوق يزعم أنّ اللّه يخفى على عباده، وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقلَه ، وتأليفٍ يبطل حجّتَه» . ۴
وقال عليه السلام في ذلك الكتاب بعد ذكر عدّة من آثار الصنع :
«فنظرت العين إلى خلقٍ متّصل بعضه ببعض» إلى أن قال : «فعرف القلب حين دلّته العين على ما عاينت أنّ لذلك الخلق والتدبير والأمر العجيب صانعا يمسك السماء المنطبعة أن تهوى إلى الأرض ، وأنّ الذي جَعَلَ الشمسَ والنجوم فيها خالقُ السماء .
ثمّ نظرت العين إلى ما استقلّها الأرضُ ، فدلّت القلبَ على ما عاينت ، فعرف القلب أنّ ممسك الأرض الممهّدةِ ۵ أن تزول أو تهوى في الهواء ـ وهو يرى الريشة يرمى بها، فتسقط مكانها، وهي في الخفّة على ما هي عليه ـ هو الذي يمسك السماء التي فوقها ، وأنّه لولا ذلك لخسفت بما عليها ، وثقل الجبال والأنام والأشجار والبحور والرمال ؛
1.في المصدر : «وخبّرته».
2.في المصدر : «مضيئة» .
3.توحيد المفضّل ، ص ۴۷ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۶۱ .
4.بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۵۲ ، ح ۱ .
5.في المصدر: «الممتدّة»».