203
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

والموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة :
فمنها : ما هو بإزاء القوّة النامية الموجودة في الحيوان والنبات ، كقوله تعالى : «وَيُحْيىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا»۱ .
ومنها : زوال القوّة الحسّيّة ، كقوله تعالى حكايةً عن مريم عليهاالسلام : «يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا»۲
.
ومنها : زوال القوّة العاقلة ، وهي الجهالة ، كقوله تعالى : «أَوَمَنْ كَانَ مَيْتا فَأَحْيَيْنَاهُ»۳ ، «فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى»۴ .
ومنها : الحزن والخوف المكدّر للحياة ، كقوله تعالى : «وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ»۵ .
ومنها : المنام ، كقوله تعالى : «وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا»۶ . وقيل : النوم : الموت الخفيف ، والموت : النوم الثقيل . وقد يستعار الموت للأحوال الشاقّة ، كالفقر والذلّ والسؤال والهرم والمعصية وغير ذلك .
ومنه الحديث : «أوّل من مات إبليس» لأنّه أوّل من عصى.
وحديث موسى عليه السلام قيل له : إنّ هامان قد مات ، فلقيه فسأل ربّه ، فقال له : «أما تعلم أنّ من أفقرته فقد أمتُّهُ» .
وحديث عمر : اللبن لا يموت ؛ أراد أنّ الصبيّ إذا رضع امرأة ميّتة حرم عليه من ولدها وقرابتها ما يحرم عليه منهم لو كانت حيّة وقد رضعها . وقيل : معناه : إذا فصل اللبن من الثدي واُسقيه الصبيَّ ، فإنّه يحرم به ما يحرم بالرضاع ، ولا يبطل عمله بمفارقة الثدي ؛ فإنّه كلّ ما انفصل من الحيّ [ميّت ]إلّا اللبن والشعر والصوف ؛ لضرورة الاستعمال .
وفي حديث البحر : «[الحلّ] ميتته» هو بالفتح اسمٌ لما مات فيه من حيوانه ، ولا يكسر الميم .
وفي حديث الفتن : «فقد مات ميتةً جاهليّة » هي بالكسر حالة الموت، أي كما يموت

1.الروم (۳۰) : ۱۹ .

2.مريم (۱۹) : ۲۴ .

3.الأنعام (۶) : ۱۲۲ .

4.الروم (۳۰) : ۵۲ .

5.إبراهيم(۱۴) : ۱۷ .

6.الزمر(۳۹) : ۴۲ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
202

قبله ؛ فعرف القلب بذلك أنّ مدبّر الأشياء ما غاب منها وما ظهر هو اللّه ، الأوّل، خالق السماء وممسكها ، وفارش الأرض وداحيها ، وصانع ما بين ذلك ممّا عددنا وغير ذلك ممّا لم يحص .
وكذلك عاينت العين اختلافَ الليل والنهار دائبين جديدين ، لا يبليان في طول كرّهما ، ولا يتغيّران لكثرة اختلافهما ، ولا ينقصان عن حالهما: النهار في نوره وضيائه ، والليل في سواده وظلمته ، يلج أحدهما في الآخرَ حتّى ينتهي [كلّ واحد منهما] إلى غاية محدودة معروفة في الطول والقِصَر على مرتبة واحدة ومجرى واحد مع سكون مَن يسكن في الليل ، وانتشار من ينتشر في النهار ، وانتشار من ينتشر في الليل ، وسكون من يسكن في النهار ، ثمّ الحرّ والبرد وحلول أحدهما بعقب الآخرَ حتّى يكون الحرّ بردا والبرد حرّا في وقته وإبّانه ؛ فكلّ هذا ممّا يستدلّ به القلب على الربّ سبحانه وتعالى ، فعرف القلب بعقله أنّ من دبّر هذه الأشياء هو الواحد العزيز الحكيم الذي لم يزل ولا يزال ، وأنّه لو كان في السماوات والأرضين آلهة معه سبحانه لذَهَبَ كلُّ إلهٍ بما خَلَق، ولَعَلا بعضُهم على بعضٍ ۱ ، ولفسد كلّ واحد منهم على صاحبه .
وكذلك سمعت الاُذن ما نزل من المدبّر من الكتب تصديقا لما أدركته القلوب بعقولها وتوفيق اللّه إيّاها ، وما قاله من عرفه كنه معرفته بلا ولد ولا صاحبة ولا شريك ؛ فأدّت الاُذن ما سمعت من اللسان بمقالة الأنبياء إلى القلب ». ۲ انتهى ما أردنا نقله من قول الصادق أبي عبداللّه عليه السلام في كتابه الآخر المسمّى بالاهليلجة .
قوله :«فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا»۳.[ح ۱۲ / ۱۲]
في النهاية :
وفي دعاء الانتباه : «الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» سمّى النوم موتا لأنّه يزول معه العقل والحركة تمثيلاً وتشبيها لا تحقيقا . وقيل : الموت يطلق في كلام العرب على السكون ، يُقال : ماتت الرِّيح ، أي سكنت .

1.اقتباس من الآية ۹۱ سورة المؤمنون (۲۳) .

2.بحارالأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۶۱ ـ ۱۶۵ ، ح ۱ .

3.البقرة (۲) : ۱۶۴ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127742
صفحه از 637
پرینت  ارسال به