211
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في خطبةٍ يذكر فيها الملاحم، قال : «كأنّي به [قد ]نَعَقَ بالشام». ۱ قال شارح نهج البلاغة ابن ميثم البحراني : «يعني عبد الملك بن مروان دعا أهل الشام إلى قتال أهل الكوفة ». ۲
انتهى .
وفي رواية كميل عنه عليه السلام بعد عدّ أصناف الناس الذين لا يصلحون لإعطاء العلم إيّاهم إلى أن قال : «أتباعُ كلُّ ناعقٍ يَميلونَ مع كُلِّ ريحٍ». ۳
هذا ، ومن أمثلة النعق الذي لا يستدعي مفعولاً ما في خطبة الطاووس من قوله عليه السلام : «ونَعَقَتْ في أسماعِنا دلائلُه» ۴ .
قال الشارح : «أي ظهرت للعقول كالأصوات الظاهرة عند السمع» . ۵قوله : (قال :«وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ»)۶.[ح ۱۲ / ۱۲]
يدلّ على صحّة الوقف في الآية الكريمة على الجلالة ، وستسمع تمام الكلام في هذا الباب في باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه .
قوله :«لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ»۷.[ح ۱۲ / ۱۲]
يعني عقل ، المراد بالعقل المعنى المصدري، أو القوّة بشرط أن يصدر منها المعنى المصدريُّ ؛ لئلّا يكون من ليس له عقل معذورا .
قوله : (وكَفى بِكَ جَهْلاً) .[ح ۱۲ / ۱۲]
ذكر ابن هشام في المغني في جملة معاني الباء التوكيدَ ، قال :
وهي الزيادة ۸ ، وزيادتها في ستّة مواضعَ :

1.نهج البلاغة ، ص ۱۹۶ ، الخطبة ۱۳۸ .

2.راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج ۳ ، ص ۱۷۲ .

3.نهج البلاغة ، ص ۴۹۵ ، الحكمة ۱۴۷ ؛ الخصال ، ص ۱۸۶ ، ح ۲۵۷ ؛ كمال الدين ، ج ۱ ، ص ۲۸۹ ، ح ۲ ؛ الأمالي للمفيد ، ص ۲۴۸ ، المجلس ۲۹ ، ح ۳ ؛ الإرشاد للمفيد، ج ۱ ، ص ۲۲۷ ؛ الأمالي للطوسي ، ص ۲۰ ، المجلس ۱ ، ح ۲۳ .

4.نهج البلاغة ، ص ۲۳۵ ، الخطبة ۱۶۵ .

5.راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۹ ، ص ۲۶۶ .

6.آل عمران(۳) : ۷ .

7.ق (۵۰) : ۳۷ .

8.في المصدر : «الزائدة».


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
210

وعلى هذا يتقابل أجزاء المشبّه والمشبّه به على التناظر بلا حاجة إلى تقدير ، فالمعنى : مَثَل هؤلاء الكفرة الرؤساء في دعائهم للسفلة الجهلاء دعوةً شبيهة بالنعق ؛ لكونها عاطلةً عن البيان والبرهان ، وكونُ مجيبتها فاقدةً للفطن والأذهان ، لاهيةً عن التفكّر في الحقيقة والبطلان كمثل الراعي ينعق بالبهائم التي لا تسمع إلّا دعاءً ونداءً، ولا تفهم من الدعاء والنداء إلّا ما عُوّدت فهمَه بتكرير الصياح والصفير .
وعلى هذا كان الكلام مستغنيا عن التقدير .
فإن قلت : إنّ مقتضى التشبيه أن لا يكون الداعي مذموما كالراعي ، وهذا إنّما يستتبّ بتقدير المضاف وإرادة النبيّ به .
قلت : هذا وإن كان جهةَ ترجيح للتقدير إلّا أنّها معارَض بأنّ المذموميّة في المثل من جهة اتّباع الدعوة بلا تدبّر وتفكّر ، وعلى تقدير التقدير تكون من جهة عدم الاتّباع ، وإذا حمل الداعي على الذين كفروا تناسق الممثّل والممثّل له ، والثاني راجح باعتضاده بأنّ الأصل عدم التقدير .
ثمّ اعلم أنّ النعق يُستعمل طالبا للمفعول بوساطة الباء وغير طالب ؛ في القاموس : «نعق بغنمه : صاح بها ، والغراب : صاح» . ۱
ولابدّ في دعوة الغنم من النعق ؛ لأنّه فاقد العمل ليس من شأنه الفهمُ والتدبّر ، والناعق أيّا لا سبيل له إلى الدعوة غير النعق .
وأمّا الإنسان ، فيجب أن يكون من شأنه الفهم والتدبّر ليتمّ عليه الحجّة ، فإذا كان الداعي هو النبيّ صلى الله عليه و آله فلا يناسب التعبير عن دعوته بالنعق المأخوذ في معناه عدمُ الإفصاح ، بل ينبغي أن يُصاغ الكلام بحيث يرتفع توهّم التقصير من جانب الداعي ، ويتّضحَ أنّ عدم قبول الدعوة لسوء ذوات المدعوّين وخبث طيناتهم .
نعم ، قد يسند النعق إلى الداعي إذا اُريد ذمّه ، إمّا من جهة أنّه قاصر في البيان البرهاني ، أو من جهة أنّه يخاف أن يفصح عن المدّعى، ويدعو إليه بالحجّة والبيّنة؛ ليقع التدبّر ، ويظهر بطلان ما يدعو إليه ، فلم يظفر بالمرام .

1.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۸۶ (نعق) .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127498
صفحه از 637
پرینت  ارسال به