إذن جاهل واقع في سُكر الجهالة ، وإنّما يعلم إذا أفاق من ذلك وندم على ما فرّط منه ، وتلك الإفاقة إن كانت قبل معاينة أحوال النشأة الآخرة ـ أي كان العلم إيمانا ـ نفعه الندم ، وإن كانت بعد المعاينة ـ أي كان العلم ضروريّا ـ لم ينفع .
والحصر في الآية التي قرأها الإمام عليه السلام ليس بالقياس إلى العالم بالمعنى الأوّل ، ولا بمعنى العلم بالمسألة ، بل بالقياس إلى العالم بالمعنى الثاني ، كما اُشير إليه في الآية الاُخرى : «وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْانَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ»۱ .
وعلى هذا ، فكلّ مسيء عامل للسوء بجهالة ؛ و «مِنْ قَرِيبٍ» عبارة عن قبل آن المعاينة ، وبلوغُ النفس إلى الحلق عبارة عن آن المعاينة .
وقوله عليه السلام : «ليس ۲ للعالم توبة» أي العالم بالعلم الضروريّ ، كأنّه عليه السلام يقول : إذا بلغ النفس هاهنا صار المرء عالما بوخامة ما ارتكب وسوءِ مآله ، شاء أم أبى ، ولم يكن لمثل هذا العالم توبة ؛ هذا .
ويخطر بالبال للآية والحديث معنىً آخَر أظنّه هو المقصود ، وهو أن يُراد بالعالم من تدبّر في الأحكام الدينيّة والمعارف اليقينيّة وأخذها من مآخذها ، كما هو الشائع من الإطلاقات العرفيّة ؛ وبالجاهل العامّي وإن كان عالما بالمسائل على وجه التقليد .
والتوبة تستعمل تارةً ب «إلى» واُخرى ب «على» . وعلى الأوّل تسند إلى المذنب ، وعلى الثاني تسند إلى اللّه تعالى .
وفي القاموس : «تاب إلى اللّه توبةً: رجع عن المعصية . وتاب اللّه عليه : وفّقه للتوبة ، أو رجع [به] من التشديد إلى التخفيف ، أو رجع عليه بفضله وقبوله ، وهو توّاب على عباده» . ۳
فمعنى الآية أنّه إنّما يجب على اللّه أن يتوب على الجاهلين من عباده ـ أي العوامّ