225
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

إذن جاهل واقع في سُكر الجهالة ، وإنّما يعلم إذا أفاق من ذلك وندم على ما فرّط منه ، وتلك الإفاقة إن كانت قبل معاينة أحوال النشأة الآخرة ـ أي كان العلم إيمانا ـ نفعه الندم ، وإن كانت بعد المعاينة ـ أي كان العلم ضروريّا ـ لم ينفع .
والحصر في الآية التي قرأها الإمام عليه السلام ليس بالقياس إلى العالم بالمعنى الأوّل ، ولا بمعنى العلم بالمسألة ، بل بالقياس إلى العالم بالمعنى الثاني ، كما اُشير إليه في الآية الاُخرى : «وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْانَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ»۱ .
وعلى هذا ، فكلّ مسيء عامل للسوء بجهالة ؛ و «مِنْ قَرِيبٍ» عبارة عن قبل آن المعاينة ، وبلوغُ النفس إلى الحلق عبارة عن آن المعاينة .
وقوله عليه السلام : «ليس ۲ للعالم توبة» أي العالم بالعلم الضروريّ ، كأنّه عليه السلام يقول : إذا بلغ النفس هاهنا صار المرء عالما بوخامة ما ارتكب وسوءِ مآله ، شاء أم أبى ، ولم يكن لمثل هذا العالم توبة ؛ هذا .
ويخطر بالبال للآية والحديث معنىً آخَر أظنّه هو المقصود ، وهو أن يُراد بالعالم من تدبّر في الأحكام الدينيّة والمعارف اليقينيّة وأخذها من مآخذها ، كما هو الشائع من الإطلاقات العرفيّة ؛ وبالجاهل العامّي وإن كان عالما بالمسائل على وجه التقليد .
والتوبة تستعمل تارةً ب «إلى» واُخرى ب «على» . وعلى الأوّل تسند إلى المذنب ، وعلى الثاني تسند إلى اللّه تعالى .
وفي القاموس : «تاب إلى اللّه توبةً: رجع عن المعصية . وتاب اللّه عليه : وفّقه للتوبة ، أو رجع [به] من التشديد إلى التخفيف ، أو رجع عليه بفضله وقبوله ، وهو توّاب على عباده» . ۳
فمعنى الآية أنّه إنّما يجب على اللّه أن يتوب على الجاهلين من عباده ـ أي العوامّ

1.النساء (۴) : ۱۸ .

2.في الكافي المطبوع : «لم يكن» .

3.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۴۰ (توب) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
224

مستهانةً في جنب الغنيّ الجواد الكريم، لكنّه هو الذي اُوعِد على فعلها ، فالاجتزاء عليه اتّكالاً على الرجاء خارج عن سنن العقل ، فلا تجسّر عليها مع ذلك إلّا الغرّة والجهل ، والرجاء الصادق حامل على طلب غفران ما فرّط وطلب توفيق الخروج ، لا على المساهلة الداعية إلى الجرأة على المخالفة ، فما يسمّيه الجاهلون رجاءً فهو اغترار .
نقل السيّد الرضيّ في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «يدّعي بزعمه أنّه يرجو اللّه ، كَذَبَ والعظيمِ ، ما بالُه لا يبين ۱ رجاؤه في عمله؟ يرجو اللّه في الكبير ، ويرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يُعطي الربّ» الحديث . ۲
وسيجيء في باب الخوف والرجاء عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : قومٌ يعملون بالمعاصي ويقولون : نرجو ، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت ؟ فقال : «هؤلاء قومٌ يترجّحون في الأمانيّ ، كذبوا ، ليسوا براجين؛ مَن رجا شيئا طلبه ، ومَنْ خاف من شيءٍ هرب منه» . ۳
وفي حديث آخَرَ : «من رجا شيئا عَمِلَ له ، ومن خاف شيئا هَرَبَ منه» . ۴
وأمّا صاحب الغيظ واللجاج ، فهو جاهل بأنّ عذاب اللّه تعالى لا يقوم له أحدٌ ، فهو إمّا مكذّب لوعيد اللّه تعالى في تلك الحالة ؛ لوقوع غشاوة الغضب على بصر عقله ، أو لعدم الإيمان باللّه رأسا ، وإمّا مستهين بالنار وضرره ، وقد حكى اللّه تعالى عن قوم أنّهم قالوا : «لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَا أَيَّاما مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»۵ .
وقد ورد عنهم عليهم السلام : «أنّ الغضب عدوٌّ للعقل ، ولذلك يحول بين صاحبه وبين الفهم » ۶ فكلّ عامل سوء ما لم يندم لا يعرف قبحه وإفساده للقلب حقَّ المعرفة ، فهو

1.في المصدر : «لايَتَبَيَّنُ».

2.نهج البلاغة ، ص ۲۲۵ ، الخطبة ۱۶۰ .

3.الكافي ، ج ۲ ، ص ۶۸ ، باب الخوف والرجاء ، ح ۵ .

4.المصدر ، ح ۶ .

5.البقرة (۲) : ۸۰ .

6.كمال الدين، ج ۲، ص ۵۷۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126921
صفحه از 637
پرینت  ارسال به