241
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الكتاب ما لم يجعله اللّه لهم» الحديث . ۱
فما كان من القسم الأوّل ، فهو من ضروريّات الدين لا يمكن أن ينقل حديث على خلافه ، والذي في عرضة العرض هو القسم الثاني ، فإذا توافق المعروض والمعروض عليه شهد كلٌّ منهما لصاحبه ، واطمئنّ القلب ، وسكنت النفس .
وممّا يشهد على ما قلنا ما سبق من قوله عليه السلام : «فإذا وجدتم له شاهدا أو شاهدين من كتاب اللّه » إلى آخره ، والمأمورون بالعرض هم النقّادون ذوو التمييز ، لا الطبقة السفلى من العوامّ .
وإذا أحطت بما تلونا علمتَ أنّ ما ذهب إليه المصنّف قدس سره ليس بعيدا كلَّ البُعد ، وإن كان الأولى استزادة الوثوق بصدق متضمّن الخبر من أيّ جهةٍ كان بقدر الإمكان ما لم يزاحم تلك الاستزادةُ تحصيلَ الواجبات العقليّة والمعارف اليقينيّة ، والعملَ بما عُلم؛ فإنّي أرى كثيرا منهم يصرفون جميع الأوقات في الفرعيّات ، ويتعمّقون فيما لا يكاد يحتاج إليه أحد طولَ عمره ، مثل الأقارير والوصايا المبهمة والحيل في البيوع وأمثال هذه ، ويتسمّون بالفقيه والمجتهد على الإطلاق ، والنائب العامّ ، والحاكم بالاستحقاق ، فإذا سُئلوا عن الواجبات العقليّة من مسائل التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة لم يرتقوا عن درجة العوامّ ، وجعلوا النهي عن البحث والتفتيش جُنّةً عن سهام الإلزام ، ولم يعلموا أنّ الزمان زمان فترة ، وأهمّ الاُمور فيه تحصيل اليقين باُصول الدِّين، والعمل بما عُلم ليُفيض اللّه تعالى علم ما لم يُعلم ، والتضرّع إليه تعالى ليكمل عقله ، وترك التدبيرات الدقيقة للتوسّع في الرزق الموجبة لشغل القلب وحرمان العرفان ؛ فإنّ هموم الدنيا غيومُ وجهِ شمس العقل؛

چون بتابد با هجوم اين همومبر دلت از عقل انوار علوم
ولم يعلموا أنّ أكثر الفروع قد اشتبهت بسبب تغلّب أئمّة الجور ، وغيبة وليّ الأمر وصاحب العصر ، فيتسامح فيها ، ويغتفر عدم إصابة الحكم الواقعي إذا كان ذلك من

1.الاحتجاج ، ج ۱ ، ص ۲۵۳ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
240

وافق كتاب اللّه وسنّتي فخذوا به ، وما خالف كتاب اللّه وسنّتي فلا تأخذوا به؛ وليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه ؛ قال اللّه تعالى : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»۱ ، فاللّه عزّوجلّ خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه ، هذا مستحيل في العقول» . ۲ انتهى كلامه صلوات اللّه عليه وسلامه .
ومن أمثلة المخالَفة : ما افترى ذلك على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ؛ فإنّه مخالف لقول اللّه تعالى : «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ»۳ ، وقولِه تعالى حكايةً عن زكريّا عليه السلام : «فَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»۴ ، ولا ينافي ذلك ما سبق من «أنّ الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا» ۵ لأنّ المراد أنّهم ليسوا كأهل الدنيا يدّخرون القناطير المقنطرة من الذهب والفضّة ، لا أنّهم لا يورّثون شيئا أصلاً ولو كان دارا أو عقارا أو فرسا أو سلاحا أو نحو ذلك ، كما لا يخفى على من له بصيرة .
ولعلّك تقول : إنّ متضمّن الخبرين كان معلوما في الكتاب والسنّة، فأيّة حاجة إلى الخبر والعرض؟
والجواب بعد تمهيد أصل ، وهو أنّه روى صاحب الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في حديثٍ طويل أجاب فيه عن أسئلة الزنديق الذي جاءه عليه السلام مستدلّاً بآيٍ من القرآن متشابهةٍ على وقوع التناقض، فيه : «ثمّ إنّ اللّه ـ جلّ ذكره ـ بسعة رحمته ، ورأفته بخلقه ، وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كتابه ، قسّم كلامه بثلاثة أقسام؛ فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف جنسه وصحَّ تمييزه ممّن شرح اللّه صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلّا اللّه واُمناؤه والراسخون في العلم ، وإنّما فعل ذلك لئلّا يدّعي أهل الباطل المستولين على ميراث رسول اللّه من علم

1.ق (۵۰) : ۱۶ .

2.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۴۴۶ .

3.النمل (۲۷) : ۱۶ .

4.مريم (۱۹) : ۵ و ۶ .

5.الكافي ، ج ۱ ، ص ۳۲ ، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ، ح ۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103595
صفحه از 637
پرینت  ارسال به