إنّهما» إلى آخره ، إشارة إلى الدليل على المسلك الأوّل بما تحريره أنّه : لو كان اثنين ، فلا يخلو إمّا أن يكونا مستقلّين بالقدرة والتأثير في جميع ما في حيطة عالم الإمكان ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكونَ أحدهما ضعيفا والآخر قويّا ، والأقسام بأسرها باطلة :
أمّا الأوّل ، فلأنّه يستلزم قوّة كلّ منهما ضعفَ الآخَر حيث إنّ مراد أحدهما لمّا وقع بإرادته المستقلّة التي لا تمنعها إرادة الآخر لفرض الاستقال فيها ، فلو أراده الآخر أيضا ، يلزم توارد العلّتين على معلول ، وهو باطل ؛ فتعيّن عدم إرادة الآخر ، فيلزم ضعفه ؛ وبالعكس لو أراد .
وبالجملة ، قوّة كلّ منهما تستلزم ضعف الآخَر ، وما وقع عنه بقوله عليه السلام : «هذا ثاني البراهين وهو أحد الوجوه البرهانيّة فلِمَ لا يدفع» استفهام إنكاري ، أي معلوم أنّه كما في قوله تعالى : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا» ، ۱ يدفع كلّ منهما الآخر عن قوّته ، وإلّا يلزم ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجّح ، فاستقلال كلّ منهما يستلزم ضعف الآخر ، فكلّ منهما قويّ وضعيف معا ؛ هذا خلفٌ .
وقوله : «فإن قلت» إلى قوله : «ثمّ يلزمك» الخ ، إشارة إلى الدليل على المسلك الثاني بما تقريره : أنّه لو تعدّد فلا يخلو إمّا أن يكون نسبة كلّ من المعلولات إليهما في الصدور على السواء ، أم لا ، وكلاهما باطل :
أمّا الأوّل، فلأنّه على فرض صدوره عنهما لو أرادا ، لزم توارد العلّتين المستقلّتين على معلول واحد شخصي ، وعلى فرض صدور بعض عن أحدهما وبعض عن الآخر، ترجيح من دون مرجّح ، وإليه أشار بقوله عليه السلام : أن يكونا متّفقين» .
وأمّا الثاني ، فلأنّ افتراق الفاعلين أحدهما عن الآخر في التأثير فيما إذا كان لأحدهما نفع عائد إليه كما في الممكنات الفاعلة ؛ لأنّه يصحّ افتراقها في التأثير ؛ لمنفعة نيل المثوبات ودفع العقوبات .
وأمّا في الواجب على تقدير تعدّده، فلا يستقيم ذلك أصلاً ؛ لأنّه غنيّ مطلقا ، فلا مصلحة له نظرا إلى فعله لا يكون لآخَر ، وعلى فرض وقوع الافتراق في التأثير والإيجاد يلزم عدم اتّساق نظام الوجود وعدم تلازم أجزائه على ما يشير إليه بقوله : «إِذا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ»۲ وهو باطل .