في كتب الحكمة مضمّنة في كلامه عليه السلام :
إحداها : أنّ صانع العالم لابدّ أن يكون قويّا مستقلّاً بالإيجاد والتدبير لكلّ واحد واحد والجميع .
والثانية : عدم جواز استناد حادث شخصي إلى موجدين مستقلّين بالإيجاد .
والثالثة : استحالة ترجّح أحد الأمرين المتساويين على الآخر من غير مرجّح ، وقد وقعت الإشارة إلى الثالث بقوله عليه السلام : «فلِمَ لا يدفع كلّ منهما صاحبه ؟». وهو مع أنّه محال مستلزمٌ للمطلق .
وقوله : «لا يخلو» برهانٌ آخر مبنيّ على ثلاث مقدّمات حدسيّة :
إحداها : أنّ كلّ متّفقين من كلّ وجه بحيث لا تمايز بينهما أصلاً لا يكونان اثنين ، بل هما واحد البتّة ، كما قيل : صرف الوجود الذي لا أتمّ منه كلُّ ما فرضته ثانيا فإذا نظرت فهو هو .
والثانية : أنّ كلّ متفرّقين من كلّ جهة لا يكون صنع أحدهما مرتبطا بصنع الآخر ، ولا تدبيره مؤتلفا بتدبيره بحيث يوجد عنهما أمرٌ واحد شخصيّ .
والثالثة : أنّ العالم أجزاؤه مرتبط بعضها ببعض، كأنّ الكلّ شخصٌ واحد .
وقوله عليه السلام : «ثمّ يلزمك» إمّا برهانٌ ثالث مستقلّ على حياله ، وإمّا تنويرٌ للثاني وتشييدٌ له على سبيل الاستظهار بأن يكون إشارةً إلى إبطال قسم ثالث ، وهو أن يكونا متّفقين من وجه ، ومفترقين من وجه آخر ، فيقال : لو كانا كذلك يكون لا محالة ما به الامتياز بينهما غيرَ ما به الاشتراك ، فيكونوا ثلاثةً .
وإلى البرهان الثاني أشار ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن هشام بن الحكم، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ اللّه واحد؟ قال : «اتّصال التدبير وتمام الصنع، كما قال عزّوجلّ: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا» » ۱ .
وروى فيه أيضا بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام ؛ فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّوجلّ ، ووجهان يثبتان فيه . فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يُقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ