287
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

في كتب الحكمة مضمّنة في كلامه عليه السلام :
إحداها : أنّ صانع العالم لابدّ أن يكون قويّا مستقلّاً بالإيجاد والتدبير لكلّ واحد واحد والجميع .
والثانية : عدم جواز استناد حادث شخصي إلى موجدين مستقلّين بالإيجاد .
والثالثة : استحالة ترجّح أحد الأمرين المتساويين على الآخر من غير مرجّح ، وقد وقعت الإشارة إلى الثالث بقوله عليه السلام : «فلِمَ لا يدفع كلّ منهما صاحبه ؟». وهو مع أنّه محال مستلزمٌ للمطلق .
وقوله : «لا يخلو» برهانٌ آخر مبنيّ على ثلاث مقدّمات حدسيّة :
إحداها : أنّ كلّ متّفقين من كلّ وجه بحيث لا تمايز بينهما أصلاً لا يكونان اثنين ، بل هما واحد البتّة ، كما قيل : صرف الوجود الذي لا أتمّ منه كلُّ ما فرضته ثانيا فإذا نظرت فهو هو .
والثانية : أنّ كلّ متفرّقين من كلّ جهة لا يكون صنع أحدهما مرتبطا بصنع الآخر ، ولا تدبيره مؤتلفا بتدبيره بحيث يوجد عنهما أمرٌ واحد شخصيّ .
والثالثة : أنّ العالم أجزاؤه مرتبط بعضها ببعض، كأنّ الكلّ شخصٌ واحد .
وقوله عليه السلام : «ثمّ يلزمك» إمّا برهانٌ ثالث مستقلّ على حياله ، وإمّا تنويرٌ للثاني وتشييدٌ له على سبيل الاستظهار بأن يكون إشارةً إلى إبطال قسم ثالث ، وهو أن يكونا متّفقين من وجه ، ومفترقين من وجه آخر ، فيقال : لو كانا كذلك يكون لا محالة ما به الامتياز بينهما غيرَ ما به الاشتراك ، فيكونوا ثلاثةً .
وإلى البرهان الثاني أشار ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن هشام بن الحكم، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ اللّه واحد؟ قال : «اتّصال التدبير وتمام الصنع، كما قال عزّوجلّ: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا» » ۱ .
وروى فيه أيضا بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام ؛ فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّوجلّ ، ووجهان يثبتان فيه . فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يُقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ

1.التوحيد ، ص ۲۵۰ ، ح ۵ . والآية في سورة الأنبياء (۲۱) : ۲۲ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
286

فقد تعيّن أن يكون مدبِّر العالم واحدا ، كما يرشدك إليه قوله تعالى : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا» إشارة على الدليل على المسلك الثالث بما تقريره : أنّه لو تعدّد ـ تعالى عن ذلك ـ فإنّه يكون نسبة جميع الممكنات إليه تعالى على سنّة واحدة ؛ لأنّ طباع الإمكان يستدعي الحاجة إلى الواجب ، والواجب يوجب ذلك ، فامتياز بعضها في استناده إلى أحدهما دون الآخر يحتاج إلى ما به يتميّز بعضها المستند إلى أحدهما عن البعض المستند إلى الآخر ، فيحتاج إلى ثالث من الآلهة حتّى يفيد تميّزَ بعضها عن البعض، حتّى يصحّ استنادهما إليهما ، وقد عبّر عليه السلام عنه بقوله : «فرجة [ما] بينهما» وهو ما يفيد تميّز بعض عن البعض باستناده إلى أحدهما دون الآخر .
ثمّ إنّه يلزم على تقدير وجود آلهة ثلاثة [أن] يكون نسبة جميع الممكنات إليها واحدا ، فيحتاج إلى الواجبين الآخَرين ليتميّز أثر كلّ من الأوّلين عن أثر الثالث بكلّ من الآخرين اللذين هما الرابع والخامس ؛ لاحتياج امتياز أثر كلّ اثنين إلى فرجة .
ولمّا كان كلّ من الأوّلين مع الثالث اثنين فيحتاج إلى فرجتين ، وهكذا يحتاج إلى ما لا نهاية له من الآلهة ، فاتّفق المرام على هذا المنوال ، والعلم عند أصحاب العصمة عليهم السلام .
وأمّا ما يُقال من أنّ المراد من الفرجة المجموع المركّب من الواجبين، وأنّه واجب لغنائه عن المؤثّر ، فهو من الزور جدّا ؛ لأنّ [كون] الفرجة مجموعَهما لا ثالث لهما لا يساعد العقل ولا اللغة .
وأيضا الحكم بأنّ المركّب من الواجبين واجب ، باطلٌ جدّا ؛ لأنّ كلّ مركّب ممكن ؛ لافتقاره إلى أجزائه التأليفيّة .
وكذا ظهر بطلان ما قيل من أنّ المراد بالفرجة التسلسل ، وهذا أيضا كما ترى . ۱
انتهى كلام السند قدس سره .
ثمّ نذكر ما أفاد المحقّق صاحب الوافي ـ قدّس اللّه روحه ـ لتكون على بصيرة في هذا الباب .
قال طاب ثراه :
قوله عليه السلام : «لا يخلو قولك» إلى قوله : «فإن قلت» برهانٌ مبنيّ على ثلاث مقدّمات مبيّنة

1.راجع: التعليقة على الكافي ، ص ۱۸۴ ـ ۱۹۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127522
صفحه از 637
پرینت  ارسال به