وعلى الثاني يلزم الاحتياج إلى الغير والإمكان .
وبالجملة ، لو كان الواجب متعدّدا ، لكان نسبة الوجوب إليهما نسبةَ العوارض ، فكان ممكنا لا واجبا .
الثالث : أنّه لو كان للّه سبحانه شريك ، لكان لمجموع الواجبين وجود غير وجود الآحاد ـ سواء كان ذلك الوجود عين مجموع الوجودين، أو أمرا زائدا عليه ـ ولكان هذا الوجود محتاجا إلى وجود الأجزاء ، والمحتاج إلى الغير ممكنٌ محتاج إلى المؤثّر ، والمؤثّر في الشيء يجب أن يكون مؤثّرا في واحدٍ من أجزائه، وإلّا لم يكن مؤثّرا في ذلك الشيء ، وقد ادّعوا الضرورة فيه ، ولا يمكن التأثير فيما نحن فيه في شيءٍ من الأجزاء ؛ لكون كلّ من الجزءين واجبا ، فالشريك يستلزم التأثير فيما لا يمكن التأثير فيه ، أو إمكانَ ما فرض وجوبه ، إلى غير ذلك من المفاسد .
الرابع : برهان التمانع . وأظهر تقريراته : أنّ وجوب الوجود يستلزم القدرة والقوّة على جميع الممكنات قوّةً كاملةً بحيث يقدر على إيجاده ودفع ما يضادّه مطلقا ، وعدمُ القدرة على هذا الوجه [نقصٌ] والنقصُ عليه تعالى محال ضرورةً ؛ بدليل إجماع العقلاء عليه ، ومن المُحال عادةً إجماعهم على نظري وإن لم يكن ضروريّا فنظري ظاهر متّسق الطريق ، واضح الدليل ، واستحالة إجماعهم على نظري لا يكون كذلك أظهرُ ، فنقول حينئذٍ : لو كان [في الوجود ]واجبان لكانا قويّين ، وقوّتهما تستلزم عدم قوّتهما ؛ لأنّ قوّة كلّ منهما على هذا الوجه تستلزم قوّته على دفع الآخر عن إرادة ضدّ ما يريد نفسه من الممكنات ، والمدفوع غير قويّ بهذا المعنى [الذي زعمنا أنّه لازم لسلب النقص] .
فإن قلت : هذا إنّما يتمّ لو كان إرادة كلّ منهما للممكن بشرط إرادة الآخر لضدّه ممكنا وبالعكس ، وليس كذلك ، بل إرادة كلّ منهما له بشرط إرادة الآخر لضدّه ممتنع ، ونظير ذلك أنّ إرادة الواجب للممكن بشرط وجود ضدّه محال ، ولا يلزم منه نقص .
قلت : امتناع الإرادة بشرط إرادة الآخر هو الامتناع بالغير ، وامتناعه بالغير يحقّق النقص والعجز ؛ تعالى عن ذلك .
وأمّا امتناع إراده الشيء بشرط وجود ضدّه ، فمن باب امتناع إرادة المحال الذاتي ، وإن كان [امتناع الإرادة] امتناعا بالغير ؛ ومثله غير ملزوم للنقص ، بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّ المراد ممتنع بالغير .