289
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وعلى الثاني يلزم الاحتياج إلى الغير والإمكان .
وبالجملة ، لو كان الواجب متعدّدا ، لكان نسبة الوجوب إليهما نسبةَ العوارض ، فكان ممكنا لا واجبا .
الثالث : أنّه لو كان للّه سبحانه شريك ، لكان لمجموع الواجبين وجود غير وجود الآحاد ـ سواء كان ذلك الوجود عين مجموع الوجودين، أو أمرا زائدا عليه ـ ولكان هذا الوجود محتاجا إلى وجود الأجزاء ، والمحتاج إلى الغير ممكنٌ محتاج إلى المؤثّر ، والمؤثّر في الشيء يجب أن يكون مؤثّرا في واحدٍ من أجزائه، وإلّا لم يكن مؤثّرا في ذلك الشيء ، وقد ادّعوا الضرورة فيه ، ولا يمكن التأثير فيما نحن فيه في شيءٍ من الأجزاء ؛ لكون كلّ من الجزءين واجبا ، فالشريك يستلزم التأثير فيما لا يمكن التأثير فيه ، أو إمكانَ ما فرض وجوبه ، إلى غير ذلك من المفاسد .
الرابع : برهان التمانع . وأظهر تقريراته : أنّ وجوب الوجود يستلزم القدرة والقوّة على جميع الممكنات قوّةً كاملةً بحيث يقدر على إيجاده ودفع ما يضادّه مطلقا ، وعدمُ القدرة على هذا الوجه [نقصٌ] والنقصُ عليه تعالى محال ضرورةً ؛ بدليل إجماع العقلاء عليه ، ومن المُحال عادةً إجماعهم على نظري وإن لم يكن ضروريّا فنظري ظاهر متّسق الطريق ، واضح الدليل ، واستحالة إجماعهم على نظري لا يكون كذلك أظهرُ ، فنقول حينئذٍ : لو كان [في الوجود ]واجبان لكانا قويّين ، وقوّتهما تستلزم عدم قوّتهما ؛ لأنّ قوّة كلّ منهما على هذا الوجه تستلزم قوّته على دفع الآخر عن إرادة ضدّ ما يريد نفسه من الممكنات ، والمدفوع غير قويّ بهذا المعنى [الذي زعمنا أنّه لازم لسلب النقص] .
فإن قلت : هذا إنّما يتمّ لو كان إرادة كلّ منهما للممكن بشرط إرادة الآخر لضدّه ممكنا وبالعكس ، وليس كذلك ، بل إرادة كلّ منهما له بشرط إرادة الآخر لضدّه ممتنع ، ونظير ذلك أنّ إرادة الواجب للممكن بشرط وجود ضدّه محال ، ولا يلزم منه نقص .
قلت : امتناع الإرادة بشرط إرادة الآخر هو الامتناع بالغير ، وامتناعه بالغير يحقّق النقص والعجز ؛ تعالى عن ذلك .
وأمّا امتناع إراده الشيء بشرط وجود ضدّه ، فمن باب امتناع إرادة المحال الذاتي ، وإن كان [امتناع الإرادة] امتناعا بالغير ؛ ومثله غير ملزوم للنقص ، بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّ المراد ممتنع بالغير .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
288

ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفَر من قال : «ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ»۱ ، وقول القائل : هو واحد من الناس يُريد النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز عليه ؛ لأنّه تشبيه ، وجلّ ربّنا وتعالى عن ذلك . وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل : [هو واحدٌ ليس له في الأشياء شبهٌ ؛ كذلك ربّنا ، وقول القائل :] ۲ إنّه ربّنا ۳ عزّوجلّ أحديّ المعنى ؛ يعني به أنّه لا ينقسم في وجودٍ ولا عقلٍ ولا وهمٍ ؛ كذلك ربّنا عزّوجلّ» . ۴
انتهى ما نقلناه من الوافي . ۵
وننقل ما ذكره مروّج آثار المعصومين عليهم السلام ؛ لأنّه موجب لكمال البصيرة في هذا الباب .
قال ـ دام ظلّه ـ بعد نقل الحديث المذكور :
ولنشر هاهنا إلى بعض براهين التوحيد على وجه الاختصار ، ثمّ نذكر ما يمكن أن يُقال في حلّ هذا الخبر ؛ فأمّا البراهين :
فالأوّل : أنّه لمّا ثبت كون الوجود عين حقيقة الواجب ، فلو تعدّد لكان امتياز كلّ منهما عن الآخر بأمرٍ خارج عن الذات ، فيكونان محتاجين في تشخّصهما إلى أمرٍ خارج ، وكلّ محتاجٍ ممكنٌ .
الثاني : لو تعدّد الواجب لذاته ، فإمّا أن يكون امتياز كلّ منهما عن الآخر بذاته ، فيكون مفهوم واجب الوجود محمولاً عليهما بالحمل العرضي ، والعارض معلول للمعروض ، فيرجع إلى كون كلّ منهما علّةً لوجوب وجوده ؛ وقد ثبت بطلانه .
وإمّا أن يكون ذلك الامتياز بالأمر الزائد على ذاتهما ، وهو أفحش ؛ فإنّه إمّا أن يكون معلولاً لمهيّتهما أو لغيرهما .
وعلى الأوّل إن اتّحد مهيّتهما ، كان التعيّن مشتركا ؛ وهذا خلف ، وإن تعدّدت المهيّة ، كان كلّ منهما شيئا عرض له وجوب الوجود ، أعني الوجود المتأكّد [للواجب] ، وقد بطل ۶ بدلائل عينيّة الوجود بطلانه .

1.المائدة (۵) : ۷۳ .

2.ما بين المعقوفين من المصدر.

3.في المصدر : - «ربّنا».

4.التوحيد ، ص ۸۳ ، ح ۳ . وهو في الخصال ، ص ۲ ، ح ۱ ؛ ومعاني الأخبار ، ص ۵ ، ح ۲ ؛ وروضة الواعظين ، ج ۱ ، ص ۳۶ .

5.الوافى ، ج ۱ ، ص ۳۳۰ و ۳۳۱.

6.في المصدر : «وقد تبيّن» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127501
صفحه از 637
پرینت  ارسال به