291
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وعلى الأوّل يلزم اجتماع المؤثّرين التامّين على معلول واحد شخصي .
وعلى الثاني يلزم عجزهما ؛ لأنّه لا يمكن لهما التأثير إلّا باشتراك الآخر .
وعلى الثالث لا يكون الآخر خالقا ، فلا يكون إلها ؛ أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟
لا يقال : [إنّما] يلزم العجز إذا انتفت القدرة على الإيجاد بالاستقلال ؛ أمّا إذا كان كلّ واحد منهما قادرا على الإيجاد بالاستقلال ولكن اتّفقا على الإيجاد بالاشتراك فلا يلزم العجز ، كما أنّ القادرين على حمل خشبة بالانفراد قد يشتركان في حملهما ، وذلك لا يستلزم عجزهما ؛ لأنّ إرادتهما تعلّقت بالاشتراك ، وإنّما يلزم العجز لو أرادا الاستقلال ولم يحصل .
لأنّا نقول: تعلّق إرادة كلّ منهما إن كان كافيا لزم المحذور الأوّل ، وإن لم يكن كافيا لزم المحذور الثاني ، والملازمتان بيّنتان لا تقبلان المنع ، وما أوردتم من المثال في سند المنع لا يصلح للسنديّة ؛ إذ في هذه الصورة ينقص ميل كلّ واحد منهما من الميل الذي يستقلّ في الحمل قدر ما يتمّ الميل الصادر عن الآخر حتّى ينقل الخشبة بمجموع الميلين ، وليس كلّ واحدٍ منهما بهذا القدر من الميل فاعلاً مستقلّاً .
وفي مبحثنا هذا ليس المؤثّر إلّا تعلّق القدرة والإرادة ، ولا يتصوّر الزيادة والنقصان في شيءٍ منهما .
السادس : أنّ كلّ من جاء من الأنبياء وأصحاب الكتب المُنزلة إنّما ادّعى الاستناد إلى واحد استند إليه الآخر ، ولو كان في الوجود واجبان لكان يخبر مخبر من قبله بوجوده وحكمه ، واحتمال أن يكون في الوجود واجب لا يرسل إلى هذا العالم ، أو لا يؤثّر ولا يدبّر أيضا فيه مع تدبيره ووجود خبره في عالم آخر أو عدمه ممّا لا يذهب إليه وَهْمُ واهمٍ ؛ فإنّ الوجوب يقتضي العلم والقدرة وغيرهما من الصفات ، ومع هذه الصفات الكماليّة يمتنع عدم الإعلام ونشرِ الآثار بحيث يبلغ إلينا وجوده .
وأمّا ما زعمت الثنويّة من الإله الثاني، فليس بهذه المثابة وممّا يرسل ويحكم فيهم، وإن قالوا بوجود واجب آخر فقد نفوا لازمه ، فهو باطل بحكم العقل .
وقد أثبتنا في كتاب الروضة فيما أوصى به أمير المؤمنين ابنه الحسن ـ صلوات اللّه عليهما ـ ما يؤمي إلى هذا الدليل حيث قال عليه السلام : «واعلم أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت صفاته وأفعاله ، ولكنّه إلهٌ واحدٌ كما وصف


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
290

فإن قلت : وجود الشيء كما يمتنع بشرط ضدّه ونقيضه ، كذلك يمتنع بشرط ملزوم ضدّه وملزوم نقيضه ، والأوّل امتناع بالذات ، والثاني امتناع بالغير ، وكما أنّ إرادة الأوّل منه تعالى محال [ولانقص فيه] كذلك إرادة الثاني . وظاهر أنّ إرادة إيجاد الممكن بشرط إرادة الآخر له من قبيل الثاني ، فينبغي أن لا يكون فيه نقص .
قلت : فرق بين الأمرين ؛ فإنّ وجود الممكن إذا قيّد واشترط بملزوم نقيضه ، كان ممتنعا ولو بالغير ولم يتعلّق به إرادة ضرورةً ، وأمّا إذا لم يقيّد الوجود به بل اُطلق ، فغير ممتنع ، فيمكن تعلّق الإرادة به ولو في زمان وجود الملزوم بأن يدفع الملزوم، وإن لم يندفع هو من قبل نفسه أو من دافع ، بخلاف إرادة الآخر له ؛ فإنّه لو لم يندفع من قبل نفسه ولم يدفعه دافع آخر، لم يتعلّق به الإرادة ضرورةً ، فهو مدفوع ، وإلّا فالآخر مدفوع .
فصار حاصل الفرق حينئذٍ أنّ الصانع تعالى قادر على إيجاد أحد الضدّين في زمان الضدّ الآخر بدون حاجة إلى واسطة غير مستندة إليه تعالى ، وهو ـ أي الحاجة إلى الواسطة المستندة إلى الفاعل ـ لا ينافي الاستقلال والقدرة ، كما لا ينافي الاحتياج إلى الواسطة المستندة إلى الذات الوجوبَ الذاتي ، بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّه احتياج إلى واسطة غير مستندة إلى الذات .
لا يقال: لعلّ انتفاء إرادة الآخر واجب بنفسه ، ولا نسلّم منافاة توسّط الواجب بالذات بين الفاعل وفعله ؛ لاستقلاله واستلزامه النقص .
لأنّا نقول : الأوّل بيِّن البطلان ، فإنّ تحقّق إرادة الآخر وانتفاءها ممكنٌ في نفسه ، لكنّه ينتفي فيما نحن فيه من قبل ذي الإرادة؛ لو انتفى ليكون ۱ واسطة ممكنة غير صادرة عن الفاعل ولا مستندة إليه .
وأمّا الثاني ، فربّما تدّعى البداهة في استلزامه النقصَ ، وهو غير بعيد .
وبهذا التقرير يندفع كثير من الشكوك والشُّبه .
الخامس : تقرير آخر لبرهان التمانع ذكره المحقّق الدواني ، وهو أنّه لا يخلو أن يكون قدرة كلّ واحدٍ منهما وإرادتُه كافيةً في وجود العالم ، أو لا شيء منهما كافٍ ، أو أحدهما كافٍ فقط .

1.في المصدر : «فيكون» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127448
صفحه از 637
پرینت  ارسال به