وعلى الأوّل يلزم اجتماع المؤثّرين التامّين على معلول واحد شخصي .
وعلى الثاني يلزم عجزهما ؛ لأنّه لا يمكن لهما التأثير إلّا باشتراك الآخر .
وعلى الثالث لا يكون الآخر خالقا ، فلا يكون إلها ؛ أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟
لا يقال : [إنّما] يلزم العجز إذا انتفت القدرة على الإيجاد بالاستقلال ؛ أمّا إذا كان كلّ واحد منهما قادرا على الإيجاد بالاستقلال ولكن اتّفقا على الإيجاد بالاشتراك فلا يلزم العجز ، كما أنّ القادرين على حمل خشبة بالانفراد قد يشتركان في حملهما ، وذلك لا يستلزم عجزهما ؛ لأنّ إرادتهما تعلّقت بالاشتراك ، وإنّما يلزم العجز لو أرادا الاستقلال ولم يحصل .
لأنّا نقول: تعلّق إرادة كلّ منهما إن كان كافيا لزم المحذور الأوّل ، وإن لم يكن كافيا لزم المحذور الثاني ، والملازمتان بيّنتان لا تقبلان المنع ، وما أوردتم من المثال في سند المنع لا يصلح للسنديّة ؛ إذ في هذه الصورة ينقص ميل كلّ واحد منهما من الميل الذي يستقلّ في الحمل قدر ما يتمّ الميل الصادر عن الآخر حتّى ينقل الخشبة بمجموع الميلين ، وليس كلّ واحدٍ منهما بهذا القدر من الميل فاعلاً مستقلّاً .
وفي مبحثنا هذا ليس المؤثّر إلّا تعلّق القدرة والإرادة ، ولا يتصوّر الزيادة والنقصان في شيءٍ منهما .
السادس : أنّ كلّ من جاء من الأنبياء وأصحاب الكتب المُنزلة إنّما ادّعى الاستناد إلى واحد استند إليه الآخر ، ولو كان في الوجود واجبان لكان يخبر مخبر من قبله بوجوده وحكمه ، واحتمال أن يكون في الوجود واجب لا يرسل إلى هذا العالم ، أو لا يؤثّر ولا يدبّر أيضا فيه مع تدبيره ووجود خبره في عالم آخر أو عدمه ممّا لا يذهب إليه وَهْمُ واهمٍ ؛ فإنّ الوجوب يقتضي العلم والقدرة وغيرهما من الصفات ، ومع هذه الصفات الكماليّة يمتنع عدم الإعلام ونشرِ الآثار بحيث يبلغ إلينا وجوده .
وأمّا ما زعمت الثنويّة من الإله الثاني، فليس بهذه المثابة وممّا يرسل ويحكم فيهم، وإن قالوا بوجود واجب آخر فقد نفوا لازمه ، فهو باطل بحكم العقل .
وقد أثبتنا في كتاب الروضة فيما أوصى به أمير المؤمنين ابنه الحسن ـ صلوات اللّه عليهما ـ ما يؤمي إلى هذا الدليل حيث قال عليه السلام : «واعلم أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت صفاته وأفعاله ، ولكنّه إلهٌ واحدٌ كما وصف