وعبّر عن الفاصل المميّز بالفرجة حيث إنّ الفاصل بين الأجسام يُعبَّر عنه بالفرجة ، واُولئك الزنادقة لم يكونوا يدركون غير المحسوسات ؛ تنبيها على أنّكم لا تستحقّون أن تخاطبوا إلّا بما يليق استعماله في المحسوسات .
وذلك المميّز لابدّ أن يكون وجوديّا داخلاً في حقيقة أحدهما ، إذ لا يجوز التعدّد مع الاتّفاق في تمام الحقيقة كما ذكرنا ، ولا يجوز أن يكون ذلك المميّز ذا حقيقة يصحّ انفكاكها عن الوجود وخلوّها عنه ولو عقلاً ، وإلّا لكان معلولاً محتاجا إلى المبدأ ، فلا يكون مبدأً ولا داخلاً فيه ، فيكون الفاصل بينهما قديما موجودا بذاته كالمتّفق فيه ، فيكون الواحد المشتمل على المميّز الوجودي اثنين لا واحدا ، ويكون الاثنان اللذان ادّعيتهما ثلاثةً .
فإن قلت به وادّعيت ثلاثةً ، لزمك ما قلت في الاثنين من تحقّق المميّز بين الثلاثة ، ولابدّ من مميّزين وجوديّين حتّى يكون بين الثلاثة فرجتان ، ولابدّ من كونهما قديمين كما مرّ ، فيكونوا خمسةً وهكذا ، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة ، ويبلغ عدده كثرةً غير متناهية .
أو المراد أنّه يلزمك أن يتناهى المعدود المنتهي ضرورةً بمعروضِ ما ينتهي به العدد ـ أي الواحد ـ إلى كثير لا نهاية له في الكثرة، فيكون عددا بلا واحد ، وكثرةً بلا وحدة .
وعلى هذا يكون الكلام برهانيّا لا يحتاج إلى ضميمة ، وعلى الأوّلين يصير بضمّ ما ذكرناه من ثالث الاحتمالات برهانيّا .
الثاني : أن يكون إشارة إلى ثلاثة براهينَ :
وتقرير الأوّل ـ بعدما تقرّر أنّ ما لا يكون قويّا على إيجاد أيّ ممكن كان لا يكون واجبا بالذات ـ أن يُقال : لا يصحّ أن يكون الواجب بالذات اثنين ، وإلّا كان كلّ منهما قويّا على إيجاد أيّ ممكن كان ، وكلّ ممكن بحيث يكون استناده إلى أيّ منهما كافيا في تصحيح خروجه من القوّة إلى الفعل .
وحينئذٍ لم يكن مَحيص إمّا من لزوم استناد كلّ معلول شخصيّ إلى علّتين مستبدّتين بالإفاضة ، وذلك محال ؛ أو من لزوم الترجّح بلا مرجّح ، وهو فطريّ الاستحالة ؛ أو من كون أحدهما غير واجب بالذات ، وهو خلاف المفروض . وهذا البرهان يتمّ عند قوله عليه السلام : «للعجز الظاهر في الثاني».