293
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وعبّر عن الفاصل المميّز بالفرجة حيث إنّ الفاصل بين الأجسام يُعبَّر عنه بالفرجة ، واُولئك الزنادقة لم يكونوا يدركون غير المحسوسات ؛ تنبيها على أنّكم لا تستحقّون أن تخاطبوا إلّا بما يليق استعماله في المحسوسات .
وذلك المميّز لابدّ أن يكون وجوديّا داخلاً في حقيقة أحدهما ، إذ لا يجوز التعدّد مع الاتّفاق في تمام الحقيقة كما ذكرنا ، ولا يجوز أن يكون ذلك المميّز ذا حقيقة يصحّ انفكاكها عن الوجود وخلوّها عنه ولو عقلاً ، وإلّا لكان معلولاً محتاجا إلى المبدأ ، فلا يكون مبدأً ولا داخلاً فيه ، فيكون الفاصل بينهما قديما موجودا بذاته كالمتّفق فيه ، فيكون الواحد المشتمل على المميّز الوجودي اثنين لا واحدا ، ويكون الاثنان اللذان ادّعيتهما ثلاثةً .
فإن قلت به وادّعيت ثلاثةً ، لزمك ما قلت في الاثنين من تحقّق المميّز بين الثلاثة ، ولابدّ من مميّزين وجوديّين حتّى يكون بين الثلاثة فرجتان ، ولابدّ من كونهما قديمين كما مرّ ، فيكونوا خمسةً وهكذا ، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة ، ويبلغ عدده كثرةً غير متناهية .
أو المراد أنّه يلزمك أن يتناهى المعدود المنتهي ضرورةً بمعروضِ ما ينتهي به العدد ـ أي الواحد ـ إلى كثير لا نهاية له في الكثرة، فيكون عددا بلا واحد ، وكثرةً بلا وحدة .
وعلى هذا يكون الكلام برهانيّا لا يحتاج إلى ضميمة ، وعلى الأوّلين يصير بضمّ ما ذكرناه من ثالث الاحتمالات برهانيّا .
الثاني : أن يكون إشارة إلى ثلاثة براهينَ :
وتقرير الأوّل ـ بعدما تقرّر أنّ ما لا يكون قويّا على إيجاد أيّ ممكن كان لا يكون واجبا بالذات ـ أن يُقال : لا يصحّ أن يكون الواجب بالذات اثنين ، وإلّا كان كلّ منهما قويّا على إيجاد أيّ ممكن كان ، وكلّ ممكن بحيث يكون استناده إلى أيّ منهما كافيا في تصحيح خروجه من القوّة إلى الفعل .
وحينئذٍ لم يكن مَحيص إمّا من لزوم استناد كلّ معلول شخصيّ إلى علّتين مستبدّتين بالإفاضة ، وذلك محال ؛ أو من لزوم الترجّح بلا مرجّح ، وهو فطريّ الاستحالة ؛ أو من كون أحدهما غير واجب بالذات ، وهو خلاف المفروض . وهذا البرهان يتمّ عند قوله عليه السلام : «للعجز الظاهر في الثاني».


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
292

نفسه ، لا يضادّه في ملكه أحدٌ ولا يحاجّه ، وأنّه خالق كلّ شيء» .
السابع : الأدلّة السمعيّة من الكتاب والسنّة ، وهي أكثر من أن تُحصى، وقد مرّ بعضها ، ولا محذور بالتمسّك بالأدلّة السمعيّة في باب التوحيد ، وهذه هي المعتمد عليها عندي ، وبسط الكلام في تلك الأدلّة وما سواها ممّا لم نشر إليها موكول إلى مظانّها .
ولنرجع إلى حلّ الخبر وشرحه ، وقد قيل فيه وجوه :
الأوّل : أنّ المراد بالقوي القويُّ على فعل الكلّ بالإرادة مع إرادة استبداده به ، والمراد بالضعيف الذي لا يقوى على فعل الكلّ، ولا يستبدّ به، ولا يقاوم القويّ؛ «فإن كانا قويّين فلِمَ لايدفع كلّ منهما صاحبه وينفرد به» أي يلزم من قوّتهما انفراد كلِّ بالتدبير ، ويلزم منه عدم وقوع الفعل «وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ثَبَتَ أنّه واحد» أي المبدأ للعالم واحد ؛ لعجز الضعيف عن المقاومة [والتأثير]، وثبت احتياج الضعيف إلى العلّة الموجدة ؛ لأنّ القويّ أقوى وجودها من الضعيف ، وضعف الوجود لا يتصوّر إلّا بجواز خلوّ المهيّة عن الوجود ، ويلزم منه الاحتياج إلى المبدأ المباين الموجِد له .
«وإن قلت : إنّهما اثنان» أي المبدأ اثنان . وهذا هو الشقّ الثاني ، أي كونهما ضعيفين بأن يقدر ويقوى كلّ منهما على بعض ، أو يفعل بعضا دون بعض بالإرادة وإن كان يقدر على الكلّ ، وفي هذا الشقّ «لا يخلو من أن يكونا متّفقين» أي في الحقيقة من كلّ جهة، ويلزم من هذا عدم الامتياز بالتعيّن ، للزوم المغايرة بين الحقيقة والتعيّن المختلفة ، واستحالة استنادهما إلى الحقيقة ، واستحالة استنادهما إلى الغير ، فيكون لهما مبدأ «أو مختلفين مفترقين من كلّ جهة» وذلك معلوم الانتفاء ، فإنّا «لمّا رأينا الخلق منتظما، والفلك جاريا» والتدبير واحدا «و[اختلاف] الليل والنهار والشمس والقمر ، دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبِّر واحد» لا اثنان مختلفان من كلّ جهةٍ . ثمّ ذلك المدبِّر الواحد لايجوز أن يكون واحدا بجهة من حيث الحقيقة ، مختلفا بجهة اُخرى ، فيكون المدبِّر اثنين .
«ويلزمك إن ادّعيت اثنين فرجةٌ بينهما» لأنّ لهما وحدةً ، فلا يتمايزان إلّا بمميّز فاصل بينهما حتّى يكونا اثنين ؛ لامتناع الاثنينيّة بدون فاصل ۱ بلا مميّز بينهما .

1.في المصدر : - «بدون فاصل».

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127430
صفحه از 637
پرینت  ارسال به