295
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وأمّا فساد الشقّ الثاني ، فهو ظاهر عند جمهور الناس ؛ لما حكوا بالفطرة من أنّ الضعف ينافي الأولويّة ، ولظهوره لم يذكره عليه السلام .
وأيضا يعلم فساده بفساد الشقّ الثالث وهو قوله : «وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، ثبت أنّه أي الإله واحدٌ ـ كما نقول ـ للعجز الظاهر في المفروض ثانيا ؛ لأنّ الضعف منشأ العجز ، والعاجز لا يكون إلها بل مخلوقا [محتاجا] لأنّه محتاج إلى من يعطيه القوّة والكمال والخيريّة .
وأمّا الحجّة البرهانيّة ، فأشار إليها بقوله : «فإن قلت إنّهما اثنان» وبيانه أنّه لو فرض موجودان قديمان ، فإمّا أن يتّفقا من كلّ جهةٍ ، أو يختلفا من كلّ جهة ، أو يتّفقا بجهة ويختلفا باُخرى .
والكلّ محال : أمّا بطلان الأوّل ، فلأنّ الاثنينيّة لا تتحقّق إلّا بامتياز أحد الاثنين من صاحبه ولو بوجه من الوجوه . وأمّا بطلان الثاني فلما نبّه عليه بقوله : «فلمّا رأينا الخلق منتظما» وتقريره أنّ العالم كلّه كشخص واحد كثير الأجزاء والأعضاء مثل الإنسان ؛ فإنّا نجد أجزاء العالم مع اختلاف طبائعها الخاصّة وأفعالها المخصوصة يرتبط بعضها ببعض ، ويفتقر بعضها إلى بعض، وكلّ منهما يعين بطبعه صاحبَه ، وهكذا نشأ هذه الأجرام العالية ، وما ارتكز فيها ـ من الكواكب النيّرة في حركاتها الدوريّة وأضوائها الواقعة منها ـ نافعة للسفليّات ، محصّلة لأمزجة المركّبات التي يتوقّف عليها صور الأنواع ونفوسها ، وحياة الكائنات ، ونشوء الحيوانات والنبات .
فإذا تحقّق ما ذكرنا من وحدة العالم لوحدة النظام واتّصال التدبير دَلَّ على أنّ المدبّر واحد .
وأمّا بطلان الشقّ الثالث ـ وهو أنّهما متّفقان من وجه ومختلفان من وجه آخر ـ فبأن يقال كما أشار إليه عليه السلام بقوله : «ثمّ يلزمك»: إنّه لابدّ فيهما من شيء يمتاز به أحدهما عن صاحبه وصاحبه عنه ؛ وذلك الشيء يجب أن يكون أمرا وجوديّا يوجد في أحدهما ولم يوجد في الآخر ، أو أمران وجوديّان يختصّ كلّ منهما بواحد فقط .
وأمّا كون الفارق المميّز لكلّ منهما عن صاحبه أمرا عدميّا ، فهو ممتنع بالضرورة ؛ إذ الأعدام بما هي أعدام لا تمايز بينها ولا تمييز بها ، فإذا فرض قديمان فلا أقلّ من وجود أمر ثالث يوجد لأحدهما ويسلب عن الآخر ، وهو أيضا لا محالة قديم موجود معهما ،


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
294

وقولُه عليه السلام : «فإن قلت» [إلى] قوله : «على أنّ المدبّر واحد» إشارةٌ إلى برهان ثانٍ ، وهو أحد الوجوه البرهانيّة في قوله تعالى : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا» . ۱
وتلخيص تقريره : أنّ التلازم بين أجزاء النظام الجملي المنتظم المتّسق ـ كما بين السماء والأرض مثلاً على ما أحقّته القوانين الحِكميّة ـ لا يستتبّ بالاستناد إلى فاعل واحد يصنع الجميع بحكمته وقدرته ؛ إذ التلازم بين شيئين لا يتصحّح إلّا بعلّيّة أحدهما للآخر ، أو لمعلوليّتهما لعلّة واحدة موجبة ، فلو تعدّد اختلّ الأمر وفسد النظام .
وتقرير الثالث هو أنّك لو ادّعيت اثنين ، كان لا محالة بينهما انفصال في الوجود، وافتراقٌ في الهويّة ، ويكون هناك موجود ثالث هو المركّب من مجموع الاثنين ، وهو المراد بالفرجة ؛ لأنّه منفصل الذات والهويّة ، وهذا المركّب يفتقر إلى الجاعل بحسب افتقار أجزائه ، ۲ فإذا لم يفتقر أجزاءه لم يفتقر هو بالضرورة ، فإذن قد لزمه أن يكون هذا الموجود الثالث أيضا قديما ، فيلزمك ثلاثة وقد ادّعيت اثنين ، وهكذا .
ويرد عليه ـ مع بُعد إطلاق الفرجة بهذا المعنى ـ أنّه يلزم في الفرض الثاني سبعة لا خمسة .
الثالث : أن يكون إشارةً إلى حجّتين : إحداهما عامّيّة مشهوريّة ، والاُخرى خاصّيّة برهانيّة .
أمّا الاُولى ، فقوله : «لا يخلو قولك» إلى قوله : «في الثاني» ومعناه أنّه لو فرض قديمان ، فلا يخلو أن يكون كلاهما قويّين ، أو كلاهما ضعيفين ، أو أحدهما قويّ والآخر ضعيف ؛ والثلاثة بأسرها باطلة :
أمّا الأوّل ، فلأنّه لو كانا قويّين ـ وكلّ منهما في غاية القوّة من غير ضعف وعجز كما هو المفروض ، والقوّة يقتضي الغلبة والقهر على كلّ شيءٍ سواه ـ فما السبب المانع لأن يدفع كلّ واحد منهما صاحبه حتّى ينفرد بالتدبير والقهر على غيره ؛ إذ اقتضاء الغلبة والاستعلاء مركوزة في كلّ ذي قوّة على قدر قوّته ، والمفروض أنّ كلّاً منهما في غاية القوّة .

1.الأنبياء (۲۱) : ۲۲ .

2.في المصدر : «وهذا المركّب تركبّه عن الواجبات بالذات المستغنيات عن الجاعل موجودٌ لامن تلقاء الصانع ؛ إذ افتقار المركّب إلى الجاعل بحسب افتقار أجزائه» بدل «وهذا المركّب يفتقر إلى الجاعل بحسب افتقار أجزائه» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127465
صفحه از 637
پرینت  ارسال به