297
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

بلا مرجّح ؛ لأنّ إحداث كلّ منهما ذلك المعلول ليس أولى بوجه من تركه إيّاه مع إحداث الآخر إيّاه .
وعلى الثاني إمّا أن يكون ترك التارك له مع تجويزه الترك على الآخر قبيحا وخلاف الحكمة أم لا ، والأوّل يستلزم النقص ، والثاني يستلزم عدم إمكان رعاية المصالح التي لا تحصى في خلق العالم ؛ لأنّه اتّفاقيّ حينئذٍ ، ومعلوم بديهةً أنّ الاتّفاقيّ لا يكون منتظما في أمر ، بل كصدور مثل قصيدة من قصائد البُلغاء المشهورين عمّن لم يمارس البلاغة ، وإن كان يمكن أن يصدر عنه اتّفاقا مصراع بليغ أو مصراعان فضلاً عمّا نحن فيه .
وأمّا بطلان الثاني ، فلأنّه يستلزم أن يكون مختلفةً من جميع الوجوه، بأن لا يكون أحدهما قادرا عليه أصلاً ؛ لأنّ اختلاف نسبة قادرين إلى معلول واحد شخصي إنّما يتصوّر فيما يمكن أن يكون راجعا إليه كالعبادة ، أمّا إذا كان القادران بريئين من الانتفاع ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا يتصوّر ذلك بديهةً ، وينبّه عليه أنّ الغنيّ المطلق إنّما يفعل ما هو الخير في نفسه من غير أن يكون له نفع فيه ، سواء كان لغيره فيه نفع كما في ثواب المطيع ، أو لم يكن ؛ ومثاله عقاب الكافر إن لم يكن للمطيعين فيه نفع .
وتقرير الثالث : أنّه إن كان المدبّر اثنين ، فنسبة معلول معلول إليهما إمّا متساوية من جميع الوجوه أو لا ، وكلاهما باطل :
أمّا [بطلان] الأوّل ، فلأنّ صدور بعض المعلولات عن أحدهما وبعضٍ آخر منها عن آخر يحتاج إلى ثالث هو الفرجة بينهما ، أي ما يميّز ويعيّن كلّ معلول معلول لواحد معيّن منهما حتّى يكون المدبّران اثنين ، لامتناع الترجيح من جهة الفاعلين بلا مرجّح ، أي بلا داع أصلاً كما هو المفروض ، فيلزم خلاف الفرض وهو أن يكون المدبّر ثلاثةً ، ثمّ ننقل الكلام إلى الثلاثة وهكذا إلى ما لا نهاية له في الكثرة ، ويلزم التسلسل .
وإنّما اكتفى ۱ عليه السلام بعد نقل الكلام إلى الثلاثة بالاحتياج إلى فرجة واحدة للتمييزين حتّى يكون المجموع أربعةً لا خمسةً ، وإن كان المطلوب و هو لزوم التسلسل حاصلاً به أيضا ؛ لأنّ هناك ثلاثةَ تمييزاتٍ وتخصيصُ واحد منهما بمميّز ـ كما هو المفروض ـ

1.في المصدر : «وإنّما ل۲ض تف» .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
296

وإلّا لم يكونا اثنين قديمين ، فيلزم أن يكون القدماء ثلاثةً وقد فرض اثنان ، وهذا خلف ، ثمّ يلزم من كونهم ثلاثةً أن يكونوا خمسةً ، وهكذا إلى أن يبلغ عددهم إلى ما لانهاية له ، وهو محال .
أقول : الأظهر على هذا التقرير أن يحمل الوحدة في قوله عليه السلام : «على أنّ المدبّر واحد» على الأعمّ من الوحدة النوعيّة والشخصيّة ، ولو حمل على الشخصيّة يمكن أن يستخرج منه ثلاث حجج بهذا التقرير ، ولا يخفى توجيهها .
الرابع : أن يكون إشارةً إلى ثلاث حجج ، لكن على وجه آخر ، وتقرير الأوّل أنّه لو كان اثنين ، فإمّا أن يكونا قويّين، أي مستقلّين بالقدرة على كلّ ممكن ما في نفسه، سواء كان موافقا للمصلحة أو مخالفا ، وهو إنّما يتصوّر بكونهما قديمين ؛ وإمّا أن يكونا ضعيفين ، أي غير مستقلّين بالقدرة على ممكن ما في نفسه ؛ وإمّا أن يكون أحدهما قويّا والآخر ضعيفا . والأوّل محال ؛ لاشتماله على التناقض ؛ لأنّ كون كلّ منهما قويّا بهذا المعنى يستلزم أن يكون قويّا على دفع الآخر عن أن يصدر عنه مراده بعينه أو مثله أو ضدّه في محلّه ؛ لأنّ عدم المنافي شرط في صدور كلّ ممكن ، وعدم القوّة على الشرط ينافي القوّة على المشروط ، ولاشكّ أنّ المدفوع كذلك ضعيف مسخّر ، فقوّة كلّ منهما في فعل صدر عنه يستلزم دفعه الآخر فيه وضعف ذلك الآخر ، و في فعل تركه حتّى أنّ فعل الآخر ضدّه يستلزم تمكينه الآخر في فعله ، وهذا تفرّد بالتدبير .
فالاستفهام في «لِمَ لا يدفع» إنكاريّ ، أي معلوم ضرورةَ أنّه لا يدفع كلّ منهما إلّا وينفرد بالتدبير .
وبطلان الشقّ الثالث لكونه مستلزما لعجز أحدهما ، أي ضعفه . وعدمُ كونه ممّن ينتهي إليه شيء من تدبير العالم يستلزم بطلان الشقّ الثاني بطريق أولى .
وتقرير الثاني : أنّه لو كان المدبّر اثنين ، فنسبة معلول معلول إليهما إمّا متساوية من جميع الوجوه، بأن لا يكون في واحدٍ منهما ولا في كلّ منهما ما يختصّ به، ويرجّح صدوره عنه على صدوره عن الآخر من الداعي والمصلحة ونحوهما ، وإمّا غير متساوية من جميع الوجوه ، وكلاهما باطل:
أمّا [بطلان] الأوّل، فلأنّه إمّا أن يكون ترك كلّ منهما لذلك المعلول مستلزما لفعل الآخر إيّاه لحكمة كلّ منهما أم لا ، فعلى الأوّل إحداث أحدهما ذلك المعلول يستلزم الترجيح

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127428
صفحه از 637
پرینت  ارسال به