299
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

فاعليّته وإفاضته ، فهو في حدّ ذاته ضعيف ، ويصير بتلك الحالة المتوقّعة قويّا .
وبالجملة ، القويّ بهذا المعنى يكون وجوده عين ذاته ، ولا يكون لفيضان الممكن الوجود عنه حالةٌ منتظرة إلّا كون وجود ذلك الممكن مصلحةً في نفس الأمر ، فإذا كان قديمان قويّان بالمعنى المذكور وفرض كون وجود ممكن من الممكنات مصلحةً في نفس الأمر ، لزم أن يكون كلّ واحد من القويّين بحيث يفيض الوجود منه على ذلك الممكن ، وفيضان الوجود على ذلك الممكن يستلزم عدم فيضان الوجود على ذلك الممكن من القويّ الآخر ، وهذا معنى قوله عليه السلام : «فلِمَ لا يدفع كلّ واحدٍ منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير».
والبرهان الثاني: من قوله عليه السلام : «فإن قلت إنّهما اثنان» إلى قوله : «ثمّ يلزمك» وحاصله أنّه لو كان واجب الوجود اثنين ، لزم أن يكون ذات كلّ واحدٍ منهما مباينا لذات الآخر من كلّ جهة ، أو يكون ذات كلّ واحدٍ منهما موافقا لذات الآخر من كلّ جهة ، ولا يحتمل أن يكونا متوافقين من بعض الجهات ، ومتخالفين من بعض الجهات ؛ لأنّ المراد بالتوافق والتخالف التوافق والتخالف في الذاتيّات ، فإذا كان بينهما توافق في بعض الذاتيّات وتخالف في بعضها ، لزم تركيبهما ، وهو منافٍ لوجوب وجوديهما ، فانحصر الاحتمال في المذكورين ، ولم يتعرّض عليه السلام لإبطال كونهما متوافقين من كلّ جهة ؛ لأنّه مستلزم لرفع الاثنينيّة ؛ لأنّ كلّ اثنين لابدّ أن يكون بينهما تمايز البتّةَ من بعض الجهات ، وقد فرض في هذا الشقّ رفع التمايز من كلّ جهة ؛ لأنّه فرض توافق الاثنين من كلّ جهة .
فإن قيل : لم يفرض توافقهما من كلّ جهة ، بل فرض توافقهما في الذات من كلّ جهة، ويمكن أن يكونا متمايزين بالاُمور الزائدة على الذات كما في أفراد النوع المتعدّد الأفراد .
قيل : فيجب احتياج واجب الوجود في تحصّله إلى أمرٍ خارج عن ذاته ، وهو مناف لوجوب الوجوب ، فلظهور فساد هذا الاحتمال لم يتعرّض عليه السلام لإبطاله ، وتعرّض لإبطال الشقّ الآخر ، وهو أن يكونا مختلفين من كلّ جهة ؛ بأنّ السببين المختلفين من كلّ جهة لا يكون أثراهما متوافقين من كلّ جهة بحيث لا يكون بين أثرهما تخالف بوجه من الوجوه ، والحال أنّا نرى الخلق منتظما والفلك جاريا والتدبير واحد، إلخ .
والحاصل أنّا نرى نظاما واحدا متّصلاً مرتبطا مسبّباتها بأسبابها على الانتظام والنسق الواحد ، وهذا يدلّ على أنّ هذا النظام يجب أن يكون منتهيا إلى مدبِّرٍ واحد، لا إلى ذاتين


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
298

واشتراكُ اثنين منهما بواحد مع اتّحاد النسبة تحكّم .
وأمّا بطلان الثاني فلما مرّ في بيان بطلان الشقّ الثاني من الدليل .
أقول : لا يخفى بُعد هذا التقرير عن الأفهام ، واحتياجُه إلى كثيرٍ من المقدّمات في الكلام .
الخامس : أن يكون إشارةً إلى برهان التمانع بأحد تقريراته المشهورة ، والثاني إلى التلازم كما مرّ ، والثالث يكون إلزاما على المجسّمة المشركين القائلين بإلهين مجسّمين متباعدين في المكان ، كما هو الظاهر من كلام المجوس لعنهم اللّه ، ويكون الفرجة محمولةً على معناه المتبادر من جسم يملأ البون ۱ بينهما؛ لبطلان الخلأ، أو سطح فاصل بينهما لتحقّق الاثنينيّة . هذا ما قيل، أو يمكن أن يُقال في حلّ هذا الخبر الذي تحيّرت فيه الأفهام والفِكَر . ۲
انتهى ما أردنا نقله من كتاب بحار الأنوار .
وقال الفاضل المحقّق المدقّق مولانا محمّد سعيد بن عطاء اللّه الجيلاني ۳ مدّ ظلّه :
هذا الحديث مشتمل على ثلاثة براهين على توحيد واجب الوجود :
البرهان الأوّل : من قوله عليه السلام : «فإن كانا قديمين قويّين» إلى قوله : «فإن قلت» ولعلّ المراد بالقديم في هذا المورد وأمثاله ما يكون مستغنيا في وجوده عن العلّة ، ولا محالة يكون القديم بهذا المعنى واجبَ الوجود ، وبالقويّ ما يكون تامّا في معنى إيجاد الغير بحيث لا يكون في فيضان وجود الممكنات القابلة للوجود عنه محتاجا إلى أن يحصل له معنى يتمّ به فاعليّته ؛ لأنّ كلّ فاعل كان يحتاج إلى أن يحصل له حالة متوقّعة حتّى يتمّ

1.في المصدر : «البعد».

2.بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۲۳۰ ـ ۲۴۰ .

3.المولى محمّد سعيد كان معاصرالصاحب رياض العلماء، حيث قال في ترجمة والده: «المولى عطاء اللّه الرودسري والد المولى محمّد سعيد المعاصر»، و كان تأليف الرياض في سنوات ۱۱۰۶ ـ ۱۱۳۰. و قال عبد النبيّ القزويني: «مولانا محمّد سعيد الرودسري كان فاضلاً نبيلاً وعالما جليلاً وحكيما ماهرا وفقيها باهرا، وبالجملة كان عظيم الشأن، رفيع المكان، نيّرالبرهان، فخر الزمان، و هو من أجلّاء تلامذة أعظم الأفاضل و أفخم الأماثل، مولانا محمّد باقر صاحب ذخيرة المعاد...». و الرودسري: نسبة إلى رودسر، قصبة معروفة من توابع لاهيجان من بلاد جيلان، قال صاحب الرياض: «وقد رأيتها»، وهي الآن مدينة عامرة. راجع: رياض العلماء، ج ۳، ص ۳۱۷ و ۳۱۸؛ تتميم أمل الآمل، ص ۱۷۲، الرقم ۱۲۴ ؛ طبقات أعلام الشيعة، ج ۶ ، ص ۳۸۰.

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127221
صفحه از 637
پرینت  ارسال به