فاعليّته وإفاضته ، فهو في حدّ ذاته ضعيف ، ويصير بتلك الحالة المتوقّعة قويّا .
وبالجملة ، القويّ بهذا المعنى يكون وجوده عين ذاته ، ولا يكون لفيضان الممكن الوجود عنه حالةٌ منتظرة إلّا كون وجود ذلك الممكن مصلحةً في نفس الأمر ، فإذا كان قديمان قويّان بالمعنى المذكور وفرض كون وجود ممكن من الممكنات مصلحةً في نفس الأمر ، لزم أن يكون كلّ واحد من القويّين بحيث يفيض الوجود منه على ذلك الممكن ، وفيضان الوجود على ذلك الممكن يستلزم عدم فيضان الوجود على ذلك الممكن من القويّ الآخر ، وهذا معنى قوله عليه السلام : «فلِمَ لا يدفع كلّ واحدٍ منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير».
والبرهان الثاني: من قوله عليه السلام : «فإن قلت إنّهما اثنان» إلى قوله : «ثمّ يلزمك» وحاصله أنّه لو كان واجب الوجود اثنين ، لزم أن يكون ذات كلّ واحدٍ منهما مباينا لذات الآخر من كلّ جهة ، أو يكون ذات كلّ واحدٍ منهما موافقا لذات الآخر من كلّ جهة ، ولا يحتمل أن يكونا متوافقين من بعض الجهات ، ومتخالفين من بعض الجهات ؛ لأنّ المراد بالتوافق والتخالف التوافق والتخالف في الذاتيّات ، فإذا كان بينهما توافق في بعض الذاتيّات وتخالف في بعضها ، لزم تركيبهما ، وهو منافٍ لوجوب وجوديهما ، فانحصر الاحتمال في المذكورين ، ولم يتعرّض عليه السلام لإبطال كونهما متوافقين من كلّ جهة ؛ لأنّه مستلزم لرفع الاثنينيّة ؛ لأنّ كلّ اثنين لابدّ أن يكون بينهما تمايز البتّةَ من بعض الجهات ، وقد فرض في هذا الشقّ رفع التمايز من كلّ جهة ؛ لأنّه فرض توافق الاثنين من كلّ جهة .
فإن قيل : لم يفرض توافقهما من كلّ جهة ، بل فرض توافقهما في الذات من كلّ جهة، ويمكن أن يكونا متمايزين بالاُمور الزائدة على الذات كما في أفراد النوع المتعدّد الأفراد .
قيل : فيجب احتياج واجب الوجود في تحصّله إلى أمرٍ خارج عن ذاته ، وهو مناف لوجوب الوجوب ، فلظهور فساد هذا الاحتمال لم يتعرّض عليه السلام لإبطاله ، وتعرّض لإبطال الشقّ الآخر ، وهو أن يكونا مختلفين من كلّ جهة ؛ بأنّ السببين المختلفين من كلّ جهة لا يكون أثراهما متوافقين من كلّ جهة بحيث لا يكون بين أثرهما تخالف بوجه من الوجوه ، والحال أنّا نرى الخلق منتظما والفلك جاريا والتدبير واحد، إلخ .
والحاصل أنّا نرى نظاما واحدا متّصلاً مرتبطا مسبّباتها بأسبابها على الانتظام والنسق الواحد ، وهذا يدلّ على أنّ هذا النظام يجب أن يكون منتهيا إلى مدبِّرٍ واحد، لا إلى ذاتين