وفي خطبة اُخرى : «لم يَتَقَدَّمْه وقتٌ ولا زمانٌ ، ولم يتعاوَرْه زيادةٌ ولا نقصانٌ ، بل ظَهَرَ للعقولِ بما أرانا من علامات التدبيرِ المُتْقَنِ والقضاءِ المُبْرَمِ ، فمِنْ شواهد خَلْقِه خَلْقُ السماواتِ مُوَطِّداتٍ بلا عَمَدٍ ، قائماتٍ بلا سَنَدٍ» الخطبة . ۱
وفيما ذكرنا من الآيات والروايات تنبيهات وتلويحات على أنّ فطريّة المعرفة الواردة في الأخبار الكثيرة إنّما هي بمعنى حصول موجبات المعرفة من فُشُوّ آثار الصنع والتدبير في جميع أجزاء العالم ، وظهورها لكلّ من له حظٌّ من العقل وقسطٌ من التمييز ، وما قيل من أنّه بمعنى خلق المعرفة بلا مدخليّة مشاهدة الآثار ، فلعلّه رجمٌ بالغيب .
وفي كتاب الإهليلجة للصادق عليه السلام : «والعجب من مخلوقٍ يزعم أنّ اللّه يخفى على عباده، وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيبٍ يبهر عقله ، وتأليفٍ يبطل حجّته» الحديث . ۲
والفرق بين قولنا بفطريّة هذا القدر من المعرفة ـ أعني معرفة أنّ لنا خالقا عليما قادرا ـ وبين قول جماعة بنظريّته أنّ قياسنا الموجب للتصديق من نوع قياسٍ معروفٍ موسومٍ بين العلماء بالقياس الفطري ، ومعلومنا من النتائج المسمّاة بينهم بقياساتها معها ، فلا تحتاج إلى تجشّم الحركتين المعتبرتين في النظريّات .
نعم ، قد يغشى بعض النفوس يوم الغفلة، فيحتاج إلى التنبيه والتذكير ، كما قال تعالى : «أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»۳ ؛ «أَفَلَا يُبْصِرُونَ»۴ ؛ «أَفَلَا يَنْظُرُونَ»۵ ؛ «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ»۶ ؛ «فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى»۷ ؛ «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»۸ ، وعلى ذلك يحمل قوله تعالى : «أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ»۹ ، وقول أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تَستطيعُ عقولُ