311
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وفي خطبة اُخرى : «لم يَتَقَدَّمْه وقتٌ ولا زمانٌ ، ولم يتعاوَرْه زيادةٌ ولا نقصانٌ ، بل ظَهَرَ للعقولِ بما أرانا من علامات التدبيرِ المُتْقَنِ والقضاءِ المُبْرَمِ ، فمِنْ شواهد خَلْقِه خَلْقُ السماواتِ مُوَطِّداتٍ بلا عَمَدٍ ، قائماتٍ بلا سَنَدٍ» الخطبة . ۱
وفيما ذكرنا من الآيات والروايات تنبيهات وتلويحات على أنّ فطريّة المعرفة الواردة في الأخبار الكثيرة إنّما هي بمعنى حصول موجبات المعرفة من فُشُوّ آثار الصنع والتدبير في جميع أجزاء العالم ، وظهورها لكلّ من له حظٌّ من العقل وقسطٌ من التمييز ، وما قيل من أنّه بمعنى خلق المعرفة بلا مدخليّة مشاهدة الآثار ، فلعلّه رجمٌ بالغيب .
وفي كتاب الإهليلجة للصادق عليه السلام : «والعجب من مخلوقٍ يزعم أنّ اللّه يخفى على عباده، وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيبٍ يبهر عقله ، وتأليفٍ يبطل حجّته» الحديث . ۲
والفرق بين قولنا بفطريّة هذا القدر من المعرفة ـ أعني معرفة أنّ لنا خالقا عليما قادرا ـ وبين قول جماعة بنظريّته أنّ قياسنا الموجب للتصديق من نوع قياسٍ معروفٍ موسومٍ بين العلماء بالقياس الفطري ، ومعلومنا من النتائج المسمّاة بينهم بقياساتها معها ، فلا تحتاج إلى تجشّم الحركتين المعتبرتين في النظريّات .
نعم ، قد يغشى بعض النفوس يوم الغفلة، فيحتاج إلى التنبيه والتذكير ، كما قال تعالى : «أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»۳ ؛ «أَفَلَا يُبْصِرُونَ»۴ ؛ «أَفَلَا يَنْظُرُونَ»۵ ؛ «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ»۶ ؛ «فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى»۷ ؛ «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»۸ ، وعلى ذلك يحمل قوله تعالى : «أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ»۹ ، وقول أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تَستطيعُ عقولُ

1.نهج البلاغة ، ص ۲۶۰ ، الخطبة ۱۸۲ .

2.بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۵۲ .

3.يونس (۱۰) : ۳ .

4.السجدة(۳۲) : ۲۷ .

5.الغاشية (۸۸) : ۱۷ .

6.ق (۵۰) : ۳۷ .

7.الأعلى (۸۷) : ۹ .

8.الذاريات (۵۱) : ۵۵ .

9.الأنعام (۶) : ۵۰ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
310

اللّه وهو يرى الخلق» . ۱
وأورده الصدوق ـ طاب ثراه ـ أيضا في أماليه . ۲
وفي خطبة من خطب أمير المؤمنين : «الذي بَطَنَ [من] خفيّاتِ الاُمورِ ، وظَهَرَ في العقول بما يُرى في خَلْقه من علامات التدبير» . نقلها المصنّف ـ طاب ثراه ـ والصدوق في التوحيد . ۳
وفي خطبة اُخرى نقلها السيّد الرضيّ في نهج البلاغة : «لم يُطْلِعِ العقولَ على تحديد صفته ، ولم يَحْجُبْها عن واجب معرفته ، فهو الذي شهد ۴ له أعلامُ الوجودِ على إقرارِ قلب ذي الجحودِ» . ۵
أقول : هذه الشهادة قولها بلسان الحال أنّ مع وجود أمثالنا آثارِ الصنع الشواهدِ على الصانع الحكيم يمتنع الشكّ في الصانع تعالى ، فالجاحد باللسان مقرٌّ بالقلب لا محالة . وسيجيء في باب النسبة : «عارفٌ بالمجهول ، معروفٌ عند كلّ جاهلٍ» . ۶
وفي خطبة اُخرى من خطب نهج البلاغة :
«وأرانا من ملكوت قدرته ، وعجائبِ ما نطقَتْ به آثارُ حِكْمته ، واعترافِ الحاجةِ من الخَلْقِ إلى أن يُقيمَها بِمِساكِ قدرته ۷ ما دَلَّنا باضطرار قيام الحجّة له على معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها ۸ آثار صَنْعته وأعلام حِكْمته ، فصار كلُّ ما خَلَقَ حُجّةً له ودليلاً عليه ، وإن كان خلقا صامتا فحُجَّتُه بالتدبير ناطقةٌ ، ودلالَتُه على المُبْدِع قائمةٌ» ۹ .

1.المحاسن ، ج ۱ ، ص ۲۴۲ ، ح ۲۳۰ . وفيه : «العجب كلّ العجب للشاكّ في قدرة اللّه وهو يرى خلق اللّه » .

2.لم نعثر عليه في الأمالي للصدوق . وهو في الأمالي للطوسي ، ص ۶۶۳ ، المجلس ۳۵ ، ح ۳۱ .

3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۴۱ ، باب جوامع التوحيد ، ح ۷ ؛ التوحيد ، ص ۳۱ ، ح ۱ .

4.في المصدر : «تشهد».

5.نهج البلاغة ، ص ۸۷ ، الخطبة ۴۹ .

6.الكافي ، ج ۱ ، ص ۹۱ ، باب النسبته ، ح ۲ ؛ التوحيد ، ص ۵۷ ، ح ۱۵ .

7.في المصدر : «قوّته» .

8.في المصدر : «فظهرت البدائع التي أحدثتها» .

9.نهج البلاغة ، ص ۱۲۵ ، الخطبة۹۱.

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127086
صفحه از 637
پرینت  ارسال به