عرفتك، وأنت دللتني عليك، ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدرِ ما أنت» . ۱
وفي دعاء أمير المؤمنين عليه السلام : «يا مَن دلَّ على ذاته بذاته ، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته» . ۲
وروى الكليني قدس سره عن الإمام قدوة العارفين ومنار السالكين أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد سأله رجلٌ : هل رأيت ربّك؟ فقال : «ويلك ، ما كنت أعبد ربّا لم أرَهُ». قال : كيف رأيته؟ قال : «ويلك، لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» . ۳
إذا سمعت ما تلونا عليك علمت أنّ الوجه الأوّل من وجهَيِ المعرفة من جهة إراءة اللّه تعالى إيّانا آياته في الآفاق والأنفس حتّى يتبيّن لنا أنّه الحقّ ، فقد كُفيتْ عنّا مؤونةُ تجشّم طلب ذلك الوجه من المعرفة ، فهو معدودٌ من العلوم الضروريّة وإن توقّف حصوله على مشاهدة آثار العمد والتدبير ، كما أنّ المعرفة الحسّيّة ـ التي هي أيضا من العلوم الضروريّة ـ تتوقّف على الإحساس ، فلا معنى للأمر بتحصيله ؛ إذ لا يؤمر بتحصيل الحاصل ، بخلاف الوجه الثاني ؛ فقوله عليه السلام : «اعرفوا اللّه باللّه » متوجّه إلى هذا الوجه ، كأنّه عليه السلام يقول : تعرّضوا بالإتيان بالقربات والاجتهاد في الطاعات لأن يحبّكم اللّه ، فيكون على ما وعده سمعكم وبصركم بالمعنى الذي عنده وعند أوليائه ، فترونه وتشاهدونه بذلك البصر ، فتكونون عرفتم اللّه باللّه .
ولا أظنّك يذهب وَهْمك إلى أنّ كون اللّه سبحانه سمع خُلّص أوليائه وبصرهم على وجه الحقيقة ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ؛ بل هو مجاز عن يقين تامّ خالص عن شوب الارتياب ، كأنّه يراه ناشئا عن صدرٍ منشرح ، وقلبٍ مطمئنّ .
وعلى الجملة ، يقينٌ أجلُّ مِن أن يصل إلى حقيقته من لم يغز به ، ومتعلّق هذا اليقين
1.مصباح المتهجّد ، ص ۵۸۲ ؛ الإقبال ، ص ۶۷ و ۱۴۸ ؛ المصباح للكفعمي ، ص ۵۸۸ .
2.بحار الأنوار ، ج ۸۷ ، ص ۳۳۹ ، ح ۱۹ ؛ و ج ۹۴ ، ص ۲۴۲ ، ح ۱۱ .
3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۹۷ ، باب في إبطال الرؤية ، ح ۶ .