313
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

عرفتك، وأنت دللتني عليك، ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدرِ ما أنت» . ۱
وفي دعاء أمير المؤمنين عليه السلام : «يا مَن دلَّ على ذاته بذاته ، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته» . ۲
وروى الكليني قدس سره عن الإمام قدوة العارفين ومنار السالكين أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد سأله رجلٌ : هل رأيت ربّك؟ فقال : «ويلك ، ما كنت أعبد ربّا لم أرَهُ». قال : كيف رأيته؟ قال : «ويلك، لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» . ۳
إذا سمعت ما تلونا عليك علمت أنّ الوجه الأوّل من وجهَيِ المعرفة من جهة إراءة اللّه تعالى إيّانا آياته في الآفاق والأنفس حتّى يتبيّن لنا أنّه الحقّ ، فقد كُفيتْ عنّا مؤونةُ تجشّم طلب ذلك الوجه من المعرفة ، فهو معدودٌ من العلوم الضروريّة وإن توقّف حصوله على مشاهدة آثار العمد والتدبير ، كما أنّ المعرفة الحسّيّة ـ التي هي أيضا من العلوم الضروريّة ـ تتوقّف على الإحساس ، فلا معنى للأمر بتحصيله ؛ إذ لا يؤمر بتحصيل الحاصل ، بخلاف الوجه الثاني ؛ فقوله عليه السلام : «اعرفوا اللّه باللّه » متوجّه إلى هذا الوجه ، كأنّه عليه السلام يقول : تعرّضوا بالإتيان بالقربات والاجتهاد في الطاعات لأن يحبّكم اللّه ، فيكون على ما وعده سمعكم وبصركم بالمعنى الذي عنده وعند أوليائه ، فترونه وتشاهدونه بذلك البصر ، فتكونون عرفتم اللّه باللّه .
ولا أظنّك يذهب وَهْمك إلى أنّ كون اللّه سبحانه سمع خُلّص أوليائه وبصرهم على وجه الحقيقة ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ؛ بل هو مجاز عن يقين تامّ خالص عن شوب الارتياب ، كأنّه يراه ناشئا عن صدرٍ منشرح ، وقلبٍ مطمئنّ .
وعلى الجملة ، يقينٌ أجلُّ مِن أن يصل إلى حقيقته من لم يغز به ، ومتعلّق هذا اليقين

1.مصباح المتهجّد ، ص ۵۸۲ ؛ الإقبال ، ص ۶۷ و ۱۴۸ ؛ المصباح للكفعمي ، ص ۵۸۸ .

2.بحار الأنوار ، ج ۸۷ ، ص ۳۳۹ ، ح ۱۹ ؛ و ج ۹۴ ، ص ۲۴۲ ، ح ۱۱ .

3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۹۷ ، باب في إبطال الرؤية ، ح ۶ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
312

المتفكّرين جَحْدَه» ۱ لما نرى من أنّ الواقع هو الأوّل .
وما ورد في الخبر من أنّ المعرفة ليس للعباد فيها صُنْعٌ ۲ ، يُحتمل أن يكون إشارةً إلى هذه المعرفة .
وثاني وجهي معرفته تعالى : ما للأنبياء والأوصياء وأشباههم ونظرائهم الذين استضاؤوا بنورهم ، وهي المعرفة الشهوديّة الدائرة على ألسنة أصحاب العرفان ، وهي طورٌ وراء طور العقل ، كما أنّ المعرفة العقليّة طورٌ فوق طور الحسّ .
وناهيك من شاهدٍ لهذا الباب ما ورد في الحديث القدسي : «إنّه ـ أي العبد ـ ليتقرّب إليَّ بالنوافل حتّى اُحبّه ، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يُبصِرُ به» . رواه المصنّف في كتاب الإيمان والكفر، في باب من آذى المسلمين واحتقرهم . ۳
وفي دعاء عرفة لأبي عبداللّه الحسين عليه السلام ، وقد نقله السيّد ابن طاووس في كتاب الإقبال : «إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار ، فاجمعني بخدمة توصلني إليك ؛ كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقرٌ إليك ، ألغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هوالمُظهر لك ؟! متى غِبْتَ حتّى تحتاج إلى دليلٍ يدلّ عليك ؟! ومتى بعُدتَ حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟!» . ۴
وفيه أيضا : «منك أطلب الوصول إليك ، وبكَ أستدلُّ عليك» . ۵
وفيه أيضا : «أنت الذي أشرقتَ الأنوار في قلوب أوليائك حتّى عرفوك ووحّدوك» . ۶
وفي دعاء السحر لسيِّد الساجدين وزين العابدين عليّ بن الحسين عليهماالسلام : «[بك ]

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۴۱ ، باب جوامع التوحيد ، ح ۷ ؛ التوحيد ، ص ۳۱ ، ح ۱ .

2.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۶۳ ، باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ، ح ۲ ؛ و ص ۱۶۴ ، باب اختلاف الحجّة على عباده ، ح ۱ ؛ المحاسن ، ج ۱ ، ص ۱۰ ، ح ۲۹ ؛ التوحيد ، ص ۴۱۰ ـ ۴۱۱ ، ح ۱ و ۶ ؛ و ص ۴۱۶، ح ۱۵ ؛ الخصال ، ص ۳۲۵ ، ح ۱۳ .

3.الكافي ، ج ۲ ، ص ۳۵۲ ، ح ۷ ؛ المؤمن ، ص ۳۲ ، ح ۶۲ ؛ المحاسن ، ج ۱ ، ص ۲۹۱ ، ح ۴۴۳ .

4.الإقبال ، ص ۳۴۸ ـ ۳۴۹ .

5.الإقبال ، ص ۳۴۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103672
صفحه از 637
پرینت  ارسال به