315
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

يُرمى إلى خفّة العقل ومهانة النفس ، فإذا وجد أمثال هذه القرائن في مدّعي الرِّسالة ولا مانع من جهةٍ فلا مجال لتكذيبه ؛ إذ النفوس السالمة عن الحسد وعداوة الحقّ ومضادّة أهله ، وعن الحبّ المفرط لتقليد الآباء والأسلاف ، مضطرّةٌ بمحبّة مَن تجده بهذه الحِلْية ، وبالإذعان له ، والتصديق فيما يخبر به إذا كان ممّا لا يمتنع العقول عن القبول ، فضلاً عمّا تستحسنه وتراه جاريا على سنن الرشد والصواب .
فاتّضح أنّ وصف الرسالة ممّا يعرف به الرسول ، ووقع تغيير الاُسلوب في الفقرة الاُولى موقعه ، وهكذا الأمر ؛ في اُولي الأمر؛ فإنّ وصف الأمر بالمعروف معنى يستدعي العلم بجميع فروع الفقه ؛ إذ المراد باُولي الأمر ـ الذين اُمرنا بمعرفتهم ـ هم الذين ذكرهم اللّه عزّوجلّ ، وقَرَنَ طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله ، فقال : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»۱ .
فظاهر أنّ إطاعة اللّه وإطاعة رسوله في كلّ ما أمَرَا به ، ومقتضى عدم التقييد في اُولي الأمر فيهم أيضا كذلك .
وقال سبحانه في موضعٍ آخَر من كتابه العزيز في الردّ إلى اُولي الأمر : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»۲ ، وإذ وجب إطاعة اُولي الأمر في كلّ ما يأمر وينهى ـ وما من حركةٍ وسكون إلّا وهو داخل تحت حكمٍ من الأحكام الخمسة ـ عُرف بصفة الأثر بالمعروف أنّ اُولي الأمر هم الذين يعلمون جميع مسائل الحرام والحلال ، علما ليس فيه اختلاف ورأي واجتهاد ، كما أنّ علم الرسول صلى الله عليه و آله كذلك ، فوجب أن يكونوا عالمين بأبواب القضايا والأحكام والمواريث والديات والحدود ؛ فهم حكّام على أموال المسلمين ودمائهم ، وأن يكونوا عالمين بأبواب النكاح والطلاق وأبواب الجهاد الذي ربّما يُفضي إلى إتلاف آلاف من النفوس وسبي الذراري ونهب الأموال ، فهم حكّام على الفروج والدِّماء والأموال ، ويجب بمقتضى الحكمة أن يكون إجراؤهم لهذه الأحكام بين الناس على وجه العدل مقترنا بالرحمة

1.النساء (۴) : ۵۹ .

2.النساء (۴) : ۸۳ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
314

غاية ما يمكن للمخلوق أن يرزق فهمه من صفات كمال الخالق المتعالي تقدّست أسماؤه وجلّت كبرياؤه ، وهذا الذي [أشار] إليه قدوة العارفين وإمام المهتدين أمير المؤمنين ـ صلوات اللّه عليه ـ في الحديث الآتي حين سُئل : بِمَ عرفتَ ربَّك؟ قال : «بما عرّفني نَفْسَه» قيل : وكيف عرّفك نفسَه؟ قال : «لا يُشِبهُه صورةٌ» إلى آخر ما قال . ۱وأمّا قوله عليه السلام : (والرَّسولَ بِالرِّسالَةِ) إلى آخره] ح ۱ / ۲۲۹] ، فوجه تغيير الاُسلوب في الفقرتين حيث لم يقل : «والرّسول بالرسول واُولي الأمر بأُولي الأمر» أنّ من فهم معنى الرسالة وخواصّها ولوازمها عرف من اتّصف بها ومن تكلّفها ، وكذا معنى ولاية الأمر ؛ وذلك لأنّ معنى الرسالة أن يدّعي بشرٌ أنّه جاء من عند اللّه إلى العباد ليتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويُعلّمهم الكتاب والحكمة .
وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام : «فبعث إليهم ۲ رُسُلَه ، وواتَرَ إليهم أنبياءَه لِيَستَأْدوهم ميثاقَ فطرتِه ، ويُذَكِّروهم مَنسِيَّ نعمته ، ويَحتجّوا عليهم بالتبليغ ، ويُثيروا لهم دفائنَ العقولِ ، ويُروهم آيات القدرة» ۳ الحديث . ۴
فيجب في الحكمة أن يكون المدّعي بحالٍ لا يستطيع المبلَّغ إليه جحده وتكذيبه ؛ إمّا من جهة نصّ السابق الثابت حجّيّته ، وإمّا من جهة المعجزات الباهرة ، وإمّا من جهة الأمارات والقرائن المفيدة باجتماعها العلمَ بصدق المدّعي للرسالة ، كالتحلّي بصفات الكمال ومحامد الخصال ، مثل الأمانة وملازمة الصدق ، وبسط العدل ، وكظم الغيظ، وإيصال الخير إلى كافّة الخلق حسب ما اقتضاه العقل ، والشفقة عليهم والنصح لهم ، ورفض فضول الدنيا ، والإيثار على نفسه ، وحبّ الفقراء الأبرار ، وبغض المتكبِّرين الأشرار ، وترفّع النفس عن خسائس الاُمور ورذائلها ، كلّ ذلك مع عقلٍ متين ، وذهنٍ وقّاد ، وقوّة تصرّف وتمييز فيما يعرض للناس من معضلات الاُمور ومُبهماتها كي لا

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۸۵ ، باب أنّه لايعرف إلاّ به ، ح ۲ .

2.في المصدر : «فيهم» .

3.في المصدر : «المقدرة» .

4.نهج البلاغة ، ص ۴۳ ، الخطبة ۱ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103622
صفحه از 637
پرینت  ارسال به