يُرمى إلى خفّة العقل ومهانة النفس ، فإذا وجد أمثال هذه القرائن في مدّعي الرِّسالة ولا مانع من جهةٍ فلا مجال لتكذيبه ؛ إذ النفوس السالمة عن الحسد وعداوة الحقّ ومضادّة أهله ، وعن الحبّ المفرط لتقليد الآباء والأسلاف ، مضطرّةٌ بمحبّة مَن تجده بهذه الحِلْية ، وبالإذعان له ، والتصديق فيما يخبر به إذا كان ممّا لا يمتنع العقول عن القبول ، فضلاً عمّا تستحسنه وتراه جاريا على سنن الرشد والصواب .
فاتّضح أنّ وصف الرسالة ممّا يعرف به الرسول ، ووقع تغيير الاُسلوب في الفقرة الاُولى موقعه ، وهكذا الأمر ؛ في اُولي الأمر؛ فإنّ وصف الأمر بالمعروف معنى يستدعي العلم بجميع فروع الفقه ؛ إذ المراد باُولي الأمر ـ الذين اُمرنا بمعرفتهم ـ هم الذين ذكرهم اللّه عزّوجلّ ، وقَرَنَ طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله ، فقال : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»۱ .
فظاهر أنّ إطاعة اللّه وإطاعة رسوله في كلّ ما أمَرَا به ، ومقتضى عدم التقييد في اُولي الأمر فيهم أيضا كذلك .
وقال سبحانه في موضعٍ آخَر من كتابه العزيز في الردّ إلى اُولي الأمر : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»۲ ، وإذ وجب إطاعة اُولي الأمر في كلّ ما يأمر وينهى ـ وما من حركةٍ وسكون إلّا وهو داخل تحت حكمٍ من الأحكام الخمسة ـ عُرف بصفة الأثر بالمعروف أنّ اُولي الأمر هم الذين يعلمون جميع مسائل الحرام والحلال ، علما ليس فيه اختلاف ورأي واجتهاد ، كما أنّ علم الرسول صلى الله عليه و آله كذلك ، فوجب أن يكونوا عالمين بأبواب القضايا والأحكام والمواريث والديات والحدود ؛ فهم حكّام على أموال المسلمين ودمائهم ، وأن يكونوا عالمين بأبواب النكاح والطلاق وأبواب الجهاد الذي ربّما يُفضي إلى إتلاف آلاف من النفوس وسبي الذراري ونهب الأموال ، فهم حكّام على الفروج والدِّماء والأموال ، ويجب بمقتضى الحكمة أن يكون إجراؤهم لهذه الأحكام بين الناس على وجه العدل مقترنا بالرحمة