329
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه

قوله : (ولا تَعْدُوا القرآنَ فَتَضِلّوا بعد البيانِ) .] ح ۱ / ۲۷۳]
قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الباب ما هو دستور لاُولي الألباب ؛ قال عليه السلام في خطبة الأشباح من خطب نهج البلاغة بعدما سأله سائلٌ وقال : صِفْ لنا ربّك ، نزد له معرفةً وبه حبّا ، فأمر عليه السلام بالصلاة جامعةً ، ثمّ صعد المنبر ، وخطب خطبةً بليغةً مشتملةً على تقديس اللّه وتنزيهه : «فَانظُرْ أيُّها السائلُ ، فما دَلَّ ۱ عليه القرآن من صنعته ۲ فَأْتَمَّ به، واستِضي? بنور هدايته ، وما كَلَّفَكَ الشيطانُ عِلْمَه ممّا ليس عليك في الكتاب ۳ فَرْضُه ، ولا في سنّة النبيّ وأئمّة الهُدى أَثَرُه ، فكِلْ عِلْمَه إلى اللّه سبحانه ؛ فإنّ ذلك منتهى حقّ اللّه عليك . واعلم أنّ الراسخينَ في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السُّدَدِ المضروبةِ دونَ الغيوبِ الإقرارُ بجملة ما جَهِلوا تفسيرَه من الغيب المحجوب ، فمَدَحَ اللّهُ تعالى اعترافَهم بالعجز عن تناول ما لم يُحيطوا به عِلْما ، وسمّى تركهم التعمّقَ فيما لم يُكَلِّفْهُمْ البحثَ عن كنهه رسوخا ، فاقتصِرْ على ذلك ، ولا تُقَدِّرْ عظمةَ اللّهِ سبحانه على قَدْرِ عقلك ، فتكونَ من الهالكين» الحديث . ۴
أقول : قوله عليه السلام : «الراسخين في العلم» ناظرٌ إلى قوله تعالى : «هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»۵ .
وقوله عليه السلام : «الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره» ناظرٌ إلى قوله تعالى : «يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» ، فدلّ الحديث على أنّ الراسخين في العلم لا يقتحمون في

1.في المصدر : «دلّك».

2.في المصدر : «صفته» .

3.في المصدر : «في الكتاب عليك».

4.نهج البلاغة ، ص ۱۲۵ ، الخطبة ۹۱ .

5.آل عمران (۳) : ۷ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
328

وأمّا قوله عليه السلام : «ألاترى» إلى قوله : «فلان بصير بالدراهم» فالغرض منه ذكر شواهدَ على استعمال ما اشتقّ من هذه المادّة في رؤية القلب بصنوف الاشتقاقات ليكسر سَوْرة الاستبعاد لإرادة المعرفة القلبيّة بالأبصار .
وعلى هذا فيكون قوله تعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» من المجملات التي احتيج في معرفة المراد إلى التوقيف والقرائن ، وهذا كلّه بناءً على أنّه ما كانت كتب اللغة مدوّنةً في تلك الأعصار ، وإنّما دوّنوها بعدها ، وإلّا فكلام صاحب القاموس وصاحب الصحاح ۱ حيث صرّحا بمجيء البصر بمعنى حسّ العين ووهم القلب كافٍ في المقصود .
قوله : (إنّ أوهامَ القلوبِ أكثر۲من أبصارِ العيونِ ، فهو لا تُدْرِكُه الأوهامُ وهو يُدرِكُ الأوهامَ) . [ح۱۰ / ۲۷۰]
الغرض تعليم استنباط المرام من الآية الكريمة ، وكأنّه عليه السلام يقول : إنّ البصر مشترك بين حسّ العين ووهم القلب ، والجمع المحلّى باللام يفيد شمول جميع الأفراد ، فإذا نفى إدراك اللّه تعالى عن الأبصار ، كان أكبر الأفراد وأدقّها وأنفذها ـ وهو وَهْم القلب ـ هو المنفيَّ بالذات ، وأصغرها وأضعفها ـ وهو حسّ العين ـ منفيّ بالعرض وبطريقٍ أولى .
وإلى هذا أومأ في الحديث الآتي حيث قال عليه السلام : «أوهامُ القلوبِ لا تُدرِكُه، فكيف أبصارُ العيون» .
قال السيّد الجليل الرفيع في الحاشية :
المراد نفي إحاطة الوهم ، ويلزمه نفي الإبصار بالعين ، فأفاد نفي الإبصار بالأوهام مطابقةً ، ونفي الإبصار بالعيون التزاما .
وقوله : «ألا ترى» إلى آخره ، استشهاد لصحّة إرادة إدراك الأوهام من إدراك الأبصار .
قال :
وقوله : «أوهام القلوب لا تدركه ، فكيف أبصار العيون» أي يلزم من نفي أوهام القلوب نفي أبصار العيون ؛ فنفيها نفي لهما . ۳

1.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۳۷۳ ؛ الصحاح ، ج ۲ ، ص ۵۹۱ (بصر) .

2.في الكافي المطبوع : «أكبر».

3.الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيعا ، ص ۳۳۴ ـ ۳۳۶ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103549
صفحه از 637
پرینت  ارسال به