باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه
قوله : (ولا تَعْدُوا القرآنَ فَتَضِلّوا بعد البيانِ) .] ح ۱ / ۲۷۳]
قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الباب ما هو دستور لاُولي الألباب ؛ قال عليه السلام في خطبة الأشباح من خطب نهج البلاغة بعدما سأله سائلٌ وقال : صِفْ لنا ربّك ، نزد له معرفةً وبه حبّا ، فأمر عليه السلام بالصلاة جامعةً ، ثمّ صعد المنبر ، وخطب خطبةً بليغةً مشتملةً على تقديس اللّه وتنزيهه : «فَانظُرْ أيُّها السائلُ ، فما دَلَّ ۱ عليه القرآن من صنعته ۲ فَأْتَمَّ به، واستِضي? بنور هدايته ، وما كَلَّفَكَ الشيطانُ عِلْمَه ممّا ليس عليك في الكتاب ۳ فَرْضُه ، ولا في سنّة النبيّ وأئمّة الهُدى أَثَرُه ، فكِلْ عِلْمَه إلى اللّه سبحانه ؛ فإنّ ذلك منتهى حقّ اللّه عليك . واعلم أنّ الراسخينَ في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السُّدَدِ المضروبةِ دونَ الغيوبِ الإقرارُ بجملة ما جَهِلوا تفسيرَه من الغيب المحجوب ، فمَدَحَ اللّهُ تعالى اعترافَهم بالعجز عن تناول ما لم يُحيطوا به عِلْما ، وسمّى تركهم التعمّقَ فيما لم يُكَلِّفْهُمْ البحثَ عن كنهه رسوخا ، فاقتصِرْ على ذلك ، ولا تُقَدِّرْ عظمةَ اللّهِ سبحانه على قَدْرِ عقلك ، فتكونَ من الهالكين» الحديث . ۴
أقول : قوله عليه السلام : «الراسخين في العلم» ناظرٌ إلى قوله تعالى : «هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»۵ .
وقوله عليه السلام : «الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره» ناظرٌ إلى قوله تعالى : «يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» ، فدلّ الحديث على أنّ الراسخين في العلم لا يقتحمون في