331
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

قال العالمُ فيهم بعلمٍ، فأجابهم اللّه بقوله : «يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» » الحديث . ۱
ويُحمل تارةً اُخرى على الاستقرار والثبات في علم المحكمات ، وعدم التجاوز عنه إلى طلب التأويل بالرأي والتظنّي ، والوقفُ على هذا على «إلَا اللّهُ» وضمير «بِهِ» راجع إلى «ما» في «مَا تَشَابَهَ» ، و «كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» أي المحكم والمتشابه كلاهما حقٌّ جاء من عند اللّه إلى المستودعين لعلم اللّه ، لا مناقضة بينهما ، ونحن مقرّون به، والمعترفون بالعجز عن استنباط مراد اللّه منه ، ولا سبيل لنا إلّا السؤال عن أهل الذِّكر ؛ فليتدبّر قوله عليه السلام : «وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا».
والوقف على كلا الموضعين مجوّز عند القرّاء .

باب النهي عن الجسم والصورة

قوله : (الحمدُ للّه فاطرِ الأشياءِ إنشاءً ومُبْتَدِعِها ابتداءً۲
بقدرته وحكمته ، لا من شيءٍ فيبطُلَ الاختراعُ ، ولا لعلّةٍ فلا يَصِحَّ الابتداعُ) . [ح ۳ / ۲۸۷]

يظهر من جعل الإنشاء مفعولاً مطلقا للفطر ، والابتداءِ مفعولاً مطلقا للابتداع أنّ الكلّ بمعنى . وأهل اللغة أيضا لم يفرّقوا بينها .
قال الزمخشري في الأساس : «فطر اللّه الشجر بالورق فانفطر به ، وفطر اللّه الخلق وهو فاطر السماوات : مبتدعها». ۳ وفيه : «أبدع الشيء وابتدعه : اخترعه» ۴ . وفيه : «اخترع اللّه الأشياء : ابتدعها من غير سبب» . ۵ وفيه : «أنشأ اللّه الخلق» . ۶
وفي الصحاح : «الفطر : الشقّ . والفطر : الابتداع والاختراع» ۷ . وفيه : «الخرع : الشقّ ؛ يُقال : اخترعه وأنشأه وابتدعه» ۸ . وفيه : «أبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال ، واللّه

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۲۱۳ ، باب أنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة عليهم السلام ، ح ۲ .

2.في الكافي المطبوع: «ابتداعا» .

3.أساس البلاغة، ص ۴۷۶ (فطر).

4.المصدر، ص ۳۲ (بدع).

5.المصدر، ص ۱۵۹ (خرع).

6.المصدر، ص ۶۳۱ (نشأ).

7.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۷۸۱ (فطر) .

8.المصدر ، ج ۳ ، ص ۱۲۰۳ (خرع).


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
330

المتشابهات ، بل يقتصرون على الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره ، وعلى قول : إنّا آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا ، والاعتراف بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، ورسوخهم في العلم هو ترك التعمّق فيما لم يكلَّفوا البحث عن كنهه .
ومقتضى هذا أن يكون «وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ» مبتدأ و «يَقُولُونَ» خبره ، ويصحّ الوقف على اللّه ، ويكون كلّ من يقرّ ويعترف الإقرارَ والاعترافَ المذكورين ويكفّ نفسه عن الاقتحام المذكور داخلاً في الراسخين المذكور في الآية .
وفي رواية هشام المذكورة في أوّل كتاب العقل : «يا هشام ، ثمّ ذكر اُولي الألباب بأحسن الذِّكْر ، وحلّاهم بأحسن الحِلْية ، فقال : «يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ»۱ إلى قوله : وقال : «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» . ۲
ومقتضى هذا أيضا الوقف على اللّه كما لا يخفى ، ومقتضى الأخبار التي جاءت عن الأئمّة الأطهار ـ سلام اللّه عليهم ـ في أنّهم هم الراسخون في العلم الوقفُ على العلم ، وعدمُ حصول الرسوخ لآحاد الاُمّة .
والجمع بأن يحمل الرسوخ تارةً على الثبات والاستقرار في علم التأويل بأن لا يأوِّلوا المتشابهات بالظنّ والتخمين والرأي والاجتهاد التي يلزمها التزلزل والانتقال من قول إلى قول ، بل بتعليم وتوقيف من اللّه تعالى .
وعلى هذا المعنى كان الوقف على العلم و «يَقُولُونَ» استئناف أو حال وضمير «بِهِ» للكتاب «كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» أي محكمه ومتشابهه . والرسوخ بهذا المعنى مختصّ بالنبيّ وآله الأطهار، سلام اللّه عليهم .
وفي باب أنّ الراسخين هم الأئمّة عليهم السلام : «فرسول اللّه صلى الله عليه و آله أفضلُ الراسخين في العلم ، قد عَلَّمَه اللّهُ عزّوجلّ جميع ما أنزَلَ عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان اللّه لِيُنْزِلَ عليه شيئا لم يُعَلِّمُهُ تأويلَه ، وأوصياؤُهُ من بعده يعلمونه كُلَّه ، والذين لا يعلمون تأويلَه إذا

1.آل عمران (۳) : ۷ .

2.البقرة (۲) : ۲۶۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103531
صفحه از 637
پرینت  ارسال به