337
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

تعالى في الأزل على وجه الخصوص والجزئيّة كما هي بعد التكوين ، فكونها ـ سواء كان في هذه النشأة أو في النشأة البرزخيّة أو في نشأة معاد وحشر الأجساد ـ لباس لها ، واللّه تعالى عالم في الأزل بذاته من غير صورة وشبح ومثال بأنّ المهيّة الإنسانيّة ـ التي الاختيار المطلق فصلٌ لها ، أو لازم فصل ـ يختار كلّ فرد منها باعتبار خصوصيّته في أيّ نشأة متلبّسا بلباس له في تلك النشأة ، مع أيّ داعٍ يوجّهه إليه، ماذا من الخيرات والشرور حسبَ المناسبة الذاتيّة ، وربّما يختار بعضهم بصميم القلب مع داع خاصّ أن يفعل فيما يأتي خيرا ، فإذا حان حين الفعل انقلب اختياره إلى اختيار الضدّ ، وهذا الأخير هو الاختيار الذاتي الذي كان لسان حال له في علم اللّه يسأل به التمكّن من الوصول إلى مختار ذلك الاختيار الذي هو محبوبه ، بل معشوقه .
ويشهد لما ذكرنا من أمر الاختيار الذاتي مضافا إلى التجربة والوجدان قولُه تعالى في سورة المؤمنون: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِى لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»۱ ؛ وذلك لظهور أنّه كان عند حضور الموت قد اختار أن يعمل ، صالحا فيما ترك لو رجع ، مع أنّ اللّه تعالى أخبر أنّه لا يعمل، بل يختار الترك .
ومثله قوله تعالى في سورة فاطر : «وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحا غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ»۲ .
وفي سورة الأنعام : «وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»۳ .
وما لم يجيء وقت الفعل لم يعلم الاختيار المكنون في الذات سوى الذي يعلم السرّ وأخفى ، وإلى هذا اُشير في قوله تعالى : «وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدا»۴ .

1.المؤمنون (۲۳) : ۹۹ ـ ۱۰۰ .

2.فاطر (۳۵) : ۳۷ .

3.الأنعام (۶) : ۲۷ و ۲۸ .

4.لقمان (۳۱) : ۳۴ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
336

لِمَا لَبِثُوا أَمَدا» 1 ، وفي سورة سبأ : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَا فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤمِنُ بِالآخِرَةِ» 2 .
وفي تفسير العيّاشي عن داود الرقّي، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ» 3 ، قال : «إنّ اللّه هو أعلم بما هو مكوّنه قبل أن يكوّنه وهم ذرّ ، وعلم من يجاهد ممّن لا يجاهد ، كما علم أنّه يميت خلقه قبل أن يميتهم ولم يرهم موتى وهم أحياء» . 4
أقول : قوله عليه السلام : «قبل أن يكوّنه وهم ذرّ» لعلّه إشارة إلى نشأة الثبوت الذي بيّنّاه ، وكذلك جميع أحاديث الذرّ .
قوله : (فَعِلْمُه به قبلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِه به بعد كَوْنِهِ) . [ح 2 / 294]
ومثله في الحديث الآتي ، وسيجيء في باب جوامع التوحيد : «أحاطَ بالأشياء عِلْما قبل كَوْنِها ، فلم يزدد بكونها عِلْما ، عِلْمُهُ بها قبل كونها 5 كعلمه بعد تكوينها» . 6
وفي كتاب التوحيد للصدوق عن أبي الحسن عليه السلام في جواب كتاب كتبه أيّوب بن نوح : «لم يزل اللّه عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعدما خلق الأشياء» . 7
وفيه عن ابن مسكان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن اللّه تبارك وتعالى : أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان ، أم علمه به عند ما خلقه وبعد ما خلقه؟
فقال : «تعالى اللّه ، بل لم يزل عالما بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعدما كوّنه ، وكذلك علمه بجميع الأشياء كعلمه بالمكان» . 8
أقول : هذه الأحاديث والتي سبق نقلها صريحة في أنّ الممكنات بأسرها معلومة للّه

1.الكهف (۱۸) : ۱۱ و ۱۲ .

2.سبأ (۳۴) : ۲۰ و ۲۱ .

3.آل عمران (۳) : ۱۴۲ .

4.تفسير العيّاشي ، ج ۱ ، ص ۱۹۹ ، ح ۱۴۷ .

5.في المصدر : «قبل أن يكوّنها».

6.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۳۴ ، باب جوامع التوحيد ، ح ۱ . وهو في التوحيد ، ص ۴۱ ، ح ۳ .

7.التوحيد ، ص ۱۴۵ ، ح ۱۳ .

8.التوحيد ، ص ۱۳۷ ، ح ۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 105479
صفحه از 637
پرینت  ارسال به