341
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

على الإفاضة والإحداث ـ وإن كانت قد تطلق على المشيّة أيضا ـ كان أصوبَ .
فإن قلت : إنّا نجد مشيّتنا معنى مترتّبا على علمنا بالنافع والأصلح ، لا نفسَ العلم؟
قلنا : المعنى المترتّب على العلم فينا ـ معاشرَ المخلوقين ـ ليس إلّا الحركة الميلانيّة وهيجان الشوق والهمّ والقصد ، ومعلوم امتناع أمثال هذه في حقّه تعالى ، فالمترتّب على العلم بما له أهليّة الكون من جهة عدم المنافاة للحكمة والجبروت لا يعقل هناك سوى فيضان الكون من الجود المطلق الغير المعلّل ؛ أعني الإرادة بمعنى الإحداث . نعم ، فرق اعتباري بين العلم والمشيّة هناك من جهة التعلّق ؛ فإنّ متعلّق العلم بما هو علم أعمُّ ممّا ينافي الحكمة وما لا ينافيها ، وبما هو مشيّة مختصّ بما لا ينافيها ، وهذا لا يوجب الترتّب .
فإن قلت : فما تقول في الخبر الوارد : «إنّك تقول : سأفعل كذا إن شاء اللّه ، ولا تقول : سأفعل كذا إن علم اللّه ؟».
قلنا : إنّ المعلوم بما هو معلوم ليس واجبَ الإفضاء إلى الكون ، وإلّا لكان كلُّ ما عُلم ، والحال أنّ الأخبار صريحة في الكافي وغيره أنّ اللّه يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون ، بل بما هو نوع خاصّ من المعلوم ، وهو ما لا ينافي الحكمة ، والعلم بمثله مشيّة ، فيصحّ أنّ ما شاء اللّه هو الكائن ، لا مطلق ما علم اللّه ، فكأنّه يقول : إنّي سأفعل كذا إن كان ممّا علمه اللّه متّصفا بأنّه لا ينافي الحكمة ، لا مجرّد أنّه ممّا علمه اللّه .
فإن قلت : إنّ ما روي أنّه تعالى علم وشاء وأراد ، وهذا يؤذن بأنّ المشيّة مترتّبة على العلم .
قلنا : لو توسّطت الفاء وقيل «علم فشاء» لكان ما قلت له وجه ، وكذلك لفظة «ثمّ» كما في قوله عليه السلام : «لم يزل اللّه عالما قادرا ثمّ أراد» وغاية ما يقتضيه الواو إثبات معنيين متغايرين ، ويكفي في المغايرة كون أحدهما أخصَّ من الآخَر ، وما قاله السيّد الفاضل قدس سره ـ من أنّه تعالى بذاته مناط لصحّة الإرادة وصحّة عدمها ـ فالظاهر أنّ مطمح نظره مرتبة الهويّة التي لم يلاحظ فيها تعيّن الأسماء والصفات وتعيّن الممكنات وحالها بالنسبة إلى الحكمة الكاملة باعتبار المضادّة وعدمها .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
340

فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «هو نورٌ لا ظلمة فيه ، وحياةٌ لا موت فيه ، وعلمٌ لا جهل فيه، وحقٌّ لا باطل فيه» .
فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد . ۱
وفي هذا الحديث إشارة إلى ما قلناه مرارا من أنّ الاشتراك باعتبار الغايات معنويّ ، وباعتبار المبادئ لفظي ، وأنّ الذات الأقدس بوحدته قائم مقام الصفات الكماليّة ، فهي بوحدته الحقيقيّة مصحّحة لأن يوصف بالأسماء الحسنى الجماليّة والجلاليّة ، وإذا كان من جملة كمالاته تعالى القدرة الشاملة ، فبالعلم بالذات من حيث إنّه قادر تميّزت الممكنات التي هي ظلال شؤونات القدرة الكاملة ، وهذه المرتبة مرتبة العلم الذي يسمّونه بالعلم التفصيلي ، وتُحاذي الذي يسمّونه بالعلم الإجمالي الذي هو الكلّ في وحدة صرفة أعني مرتبةَ الذات .
وقد عُبّر في أخبار أصحاب العصمة ـ سلام اللّه عليهم ـ عن تلك الممكنات المتميّزة في مرتبة العلم التفصيلي بالذرّ .
روى العيّاشي في تفسيره عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «هو أعلم بما هو مكوّنه قبل أن يكوّنه وهم ذرّ» ولا يبعد أن يكون وقوع التكليف في نشأة الذرّ وإطاعة بعض وعصيان بعض مَجازاتٍ عن العلم التفصيلي باختيار الممكنات التي هي ظلال شؤونات القدرة الكاملة حالةَ تمييزهم بسبب علم اللّه بذاته الأقدس من حيث إنّه قادر .
وبالجملة ، مناط العالميّة بذوات الممكنات وصفاتها المختلفة التابعة لاختلاف الذوات من حيث إنّ كلّاً منهما مقدور خاصّ للذات الأقدس تعالى شأنه ، وقد بيّنّا مرارا أنّ المشيّة الذاتيّة هو العلم الخاصّ ، أي العلم بما لا ينافي الحكمة الكاملة والجبروت والعزّة ، وإحداثُ ما لا ينافي ـ أي فيضان الكون على الوجه الذي يقتضيه الحكمة من الجواد المطلق المعبّر عنه في الأخبار الكثيرة بالإرادة ـ لا يتوقّف على غير ذلك العلم ، فلو حُمل الإرادة في قوله عليه السلام : «لم يزل اللّه عزّوجلّ عالما قادرا ثمّ أراد»

1.التوحيد ، ص ۱۴۶ ، ح ۱۴ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103697
صفحه از 637
پرینت  ارسال به