على الإفاضة والإحداث ـ وإن كانت قد تطلق على المشيّة أيضا ـ كان أصوبَ .
فإن قلت : إنّا نجد مشيّتنا معنى مترتّبا على علمنا بالنافع والأصلح ، لا نفسَ العلم؟
قلنا : المعنى المترتّب على العلم فينا ـ معاشرَ المخلوقين ـ ليس إلّا الحركة الميلانيّة وهيجان الشوق والهمّ والقصد ، ومعلوم امتناع أمثال هذه في حقّه تعالى ، فالمترتّب على العلم بما له أهليّة الكون من جهة عدم المنافاة للحكمة والجبروت لا يعقل هناك سوى فيضان الكون من الجود المطلق الغير المعلّل ؛ أعني الإرادة بمعنى الإحداث . نعم ، فرق اعتباري بين العلم والمشيّة هناك من جهة التعلّق ؛ فإنّ متعلّق العلم بما هو علم أعمُّ ممّا ينافي الحكمة وما لا ينافيها ، وبما هو مشيّة مختصّ بما لا ينافيها ، وهذا لا يوجب الترتّب .
فإن قلت : فما تقول في الخبر الوارد : «إنّك تقول : سأفعل كذا إن شاء اللّه ، ولا تقول : سأفعل كذا إن علم اللّه ؟».
قلنا : إنّ المعلوم بما هو معلوم ليس واجبَ الإفضاء إلى الكون ، وإلّا لكان كلُّ ما عُلم ، والحال أنّ الأخبار صريحة في الكافي وغيره أنّ اللّه يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون ، بل بما هو نوع خاصّ من المعلوم ، وهو ما لا ينافي الحكمة ، والعلم بمثله مشيّة ، فيصحّ أنّ ما شاء اللّه هو الكائن ، لا مطلق ما علم اللّه ، فكأنّه يقول : إنّي سأفعل كذا إن كان ممّا علمه اللّه متّصفا بأنّه لا ينافي الحكمة ، لا مجرّد أنّه ممّا علمه اللّه .
فإن قلت : إنّ ما روي أنّه تعالى علم وشاء وأراد ، وهذا يؤذن بأنّ المشيّة مترتّبة على العلم .
قلنا : لو توسّطت الفاء وقيل «علم فشاء» لكان ما قلت له وجه ، وكذلك لفظة «ثمّ» كما في قوله عليه السلام : «لم يزل اللّه عالما قادرا ثمّ أراد» وغاية ما يقتضيه الواو إثبات معنيين متغايرين ، ويكفي في المغايرة كون أحدهما أخصَّ من الآخَر ، وما قاله السيّد الفاضل قدس سره ـ من أنّه تعالى بذاته مناط لصحّة الإرادة وصحّة عدمها ـ فالظاهر أنّ مطمح نظره مرتبة الهويّة التي لم يلاحظ فيها تعيّن الأسماء والصفات وتعيّن الممكنات وحالها بالنسبة إلى الحكمة الكاملة باعتبار المضادّة وعدمها .