343
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

خاصّة استهال الوجود .
وظاهر أنّ ما كان بحال كذا من الأفعال سيفعل لا محالة ، ومجرّد كونه معلومَ الحقيقة عند اللّه لا يوجب وجوده ، بل قد يجب عدمه ، وذلك إذا كان العلم بحقيقته مع العلم بمضادّته، فتبصّر .
وفي كتاب بحار الأنوار بعد نقل الحديث من كتاب التوحيد :
لعلّ [المراد] المشيّة المتأخّرة من العلم الحادثة عند حدوث المعلوم ، وقد عرفت أنّه في اللّه تعالى ليس سوى الإيجاد ، ومغايرته للعلم ظاهر ، ويحتمل أن يكون المقصود بيانَ عدم اتّحاد مفهوميهما ؛ إذ ليست الإرادة مطلقَ العلم ، إذ العلم يتعلّق بكلّ شيء ، بل العلم بكونه خيرا وصلاحا ونافعا ، ولا يتعلّق إلّا بما هو كذلك .
وفرق آخر بينهما وهو أنّ علمه تعالى بشيء لا يستدعي حصوله ، بخلاف علمه به على النحو الخاصّ ، فالسبق على هذا محمول على السبق الذاتي الذي يكون بين العامّ والخاصّ ؛ والأوّل أظهر. ۱
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه .
أقول : الذي هناك علم بما هو خير ونافع ، وعلم بما ليس خيرا ونافعا ، والأوّل مشيّة وجود المعلوم بالأحداث ، والثاني عدم مشيّة وجود المعلوم ، والشامل للعلمين إنّما هو مفهوم اعتباري لا أمر له تقدّم ذاتي على الخاصّ ، بل هو متأخّر عن الخاصّين ؛ لكونه منتزعا منهما ، ولعلّ مقصوده ـ دام عزّه ـ التقريب إلى الأفهام .
وقال السيّد الفاضل المحشّي :
أي ليس معنى المشيّة معنى العلم بعينه ؛ فإنّ العلم هو مناط الانكشاف ، والمشيّة مخصّص المنكشف برجحان الوقوع والصدور ، فمن المعلوم ما يشاء ، ومنه ما لا يشاء .
وقوله : «فقولك : إن شاء اللّه [دليل على أنّه لم يشأ]» : دليل على أنّه لم يكن بذاته مناطَ المشيّة ، أي التخصيص والترجيح المتعلّق بأحد الطرفين ، بل هو بذاته مناط لما به يصحّ أن يكون شائيا وأن لا يكون .

1.بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۴۴ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
342

ثمّ اعلم أنّه روى المصنّف قدس سره في كتاب الإيمان والكفر عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنّ اللّه ـ جلّ وعزّ ـ لمّا أخرج ذرّيّةَ آدمَ عليه السلام من ظَهْره ليأخذَ عليهم الميثاقَ بالربوبيّة [له ]وبالنبوّة لكلّ نبيّ ، فكان أوّل من أخَذَ له عليهم الميثاق بنبوّته محمّدُ بن عبداللّه صلى الله عليه و آله .
ثمّ قال اللّه ـ جلَّ وعزّ ـ لآدم : اُنظر ماذا ترى؟ قال : فنظر آدم عليه السلام إلى ذرّيّته وهم ذرّ قد ملؤوا السماء ، قال آدم عليه السلام : ما أكثر ذرّيّتي ، ولأمرٍ ما خلَقْتَهُم؟ فما تُريدُ منهم بأخذك الميثاقَ عليهم؟
قال اللّه جلّ وعزّ : يعبدونني لا يشركون بي شيئا ، ويؤمنون بِرُسُلي ويتّبعونهم .
قال آدم عليه السلام : ياربّ ، فما لي أرى بعض الذرّ أعظمَ من بعض ، وبعضَهم له نورٌ كثير ، وبعضَهم له نورٌ قليل ، وبعضَهم ليس له نور؟
فقال اللّه جلّ وعزّ : كذلك خَلَقْتُهُم لأبلوهم في كلّ حالاتهم إلى قوله تعالى : بعلمي خالفت بين خلقهم، وبمشيّتي يمضي فيهم أمري، وإلى تدبيري وتقديري صائرون» إلى قوله : «وبعلمي النافذ فيهم خالفتُ بين صُوَرهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم ، فجعلتُ منهم الشقيّ والسعيد ، والبصير والأعمى، والقصير والطويل ، والجميل والذميم ، والعالِم والجاهل ،والغنيّ والفقير ، والمطيع والعاصي ، والصحيح والسقيم ، ومَنْ به الزَّمانة ومن لا عاهةَ به» الحديث . ۱قوله : (ألا تَرى أنّك تقولُ : سَأفْعَلُ كذا إنْ شاء اللّهُ ، ولا تقول : سَأفْعَلُ كذا إنْ عَلِمَ اللّهُ) . [ح ۲ / ۳۰۲]
وجه ذلك أنّ الشيء لا يدخل في الوجود بالعلم المطلق ، فربّ معلوم للّه تعالى لا يوجد ، بل ولا يوجد أبدا ؛ لمضادّته الحكمة الكاملة ، مثل أن يوجد في عصر كلّ رسول ذو قوّة إذا اُرسل الرسول وثب عليه ، فقتله قبل أن يبلِّغ رسالته حتّى يبطل الغرض في إرساله ، وغير ذلك من الأمثلة ؛ بخلاف المشيّة التي هو علم خاصّ ، وهو علم بأنّ هذا المعلوم موافق للحكمة الكاملة ، غير مضادٍّ لها باعتبار صفاته ومقارنات

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۸ ، باب آخر منه ، ح ۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103690
صفحه از 637
پرینت  ارسال به