خاصّة استهال الوجود .
وظاهر أنّ ما كان بحال كذا من الأفعال سيفعل لا محالة ، ومجرّد كونه معلومَ الحقيقة عند اللّه لا يوجب وجوده ، بل قد يجب عدمه ، وذلك إذا كان العلم بحقيقته مع العلم بمضادّته، فتبصّر .
وفي كتاب بحار الأنوار بعد نقل الحديث من كتاب التوحيد :
لعلّ [المراد] المشيّة المتأخّرة من العلم الحادثة عند حدوث المعلوم ، وقد عرفت أنّه في اللّه تعالى ليس سوى الإيجاد ، ومغايرته للعلم ظاهر ، ويحتمل أن يكون المقصود بيانَ عدم اتّحاد مفهوميهما ؛ إذ ليست الإرادة مطلقَ العلم ، إذ العلم يتعلّق بكلّ شيء ، بل العلم بكونه خيرا وصلاحا ونافعا ، ولا يتعلّق إلّا بما هو كذلك .
وفرق آخر بينهما وهو أنّ علمه تعالى بشيء لا يستدعي حصوله ، بخلاف علمه به على النحو الخاصّ ، فالسبق على هذا محمول على السبق الذاتي الذي يكون بين العامّ والخاصّ ؛ والأوّل أظهر. ۱
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه .
أقول : الذي هناك علم بما هو خير ونافع ، وعلم بما ليس خيرا ونافعا ، والأوّل مشيّة وجود المعلوم بالأحداث ، والثاني عدم مشيّة وجود المعلوم ، والشامل للعلمين إنّما هو مفهوم اعتباري لا أمر له تقدّم ذاتي على الخاصّ ، بل هو متأخّر عن الخاصّين ؛ لكونه منتزعا منهما ، ولعلّ مقصوده ـ دام عزّه ـ التقريب إلى الأفهام .
وقال السيّد الفاضل المحشّي :
أي ليس معنى المشيّة معنى العلم بعينه ؛ فإنّ العلم هو مناط الانكشاف ، والمشيّة مخصّص المنكشف برجحان الوقوع والصدور ، فمن المعلوم ما يشاء ، ومنه ما لا يشاء .
وقوله : «فقولك : إن شاء اللّه [دليل على أنّه لم يشأ]» : دليل على أنّه لم يكن بذاته مناطَ المشيّة ، أي التخصيص والترجيح المتعلّق بأحد الطرفين ، بل هو بذاته مناط لما به يصحّ أن يكون شائيا وأن لا يكون .