345
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وبين العلم بما شاع في محاوراتهم وما أفاد الفاضل السيّد ـ طاب ثراه ـ يتمّ على إرادة المشيّة الفعليّة ، ولا يكاد يجري في المشيّة الذاتيّة كما لايخفى .
قوله : (الإرادةُ من الخَلْقِ الضميرُ ، وما يَبْدُو لهم بعد ذلك من الفِعْلِ) . [ح ۳ / ۳۰۳]
قال السيّد الفاضل رفع اللّه قدره :
«الضمير» أي أمر يدخل خواطرَهم وأذهانَهم ، ويوجَد في نفوسهم، ويحلّ فيها بعدما لم يكن فيها، وكانت هي خاليةً عنه .
وقوله : «وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل» يُحتمل أن يكون جملةً معطوفةً على الجملة السابقة ، والظرف ـ أعني «من الفعل» ـ خبرا للموصول ، ويُحتمل أن يكون الموصول معطوفا على قوله «الضمير» ويكون من عطف المفرد على المفرد ، ويكون قوله «من الفعل» بيانا للموصول ، والمعنى على الأوّل : أنّ الإرادة من الخلق الضمير الذي يدخل في قلبهم ، والذي يكون لهم بعد ذلك من الفعل ، لا من إرادتهم . وعلى الثاني : أنّ إرادتهم مجموع ضمير يحصل في قلبهم وما يكون لهم من الفعل المترتّب عليه .
والمقصود هنا بالفعل ما يشمل الشوق إلى المراد وما يتبعه من التحريك إليه والحركة ، فالإرادة من الخلق حالة حادثة في ذواتهم بدخولها فيهم وقيامها بهم بعد خلوّهم بذواتهم عنها .
وأمّا الإرادة من اللّه فيستحيل أن يكون كذلك ؛ فإنّه يتعالى عن أن يقبل شيئا زائدا ويدخله ما يزيد عليه ويغايره ، إنّما إرادته المرجّحة للمراد من مراتب الإحداث لا غير ذلك . ۱
أقول : قوله عليه السلام : «الضمير». في الصحاح : «أضمرت في نفسي شيئا. والاسم: الضمير» . ۲
وفي القاموس : «الضمير : السرّ، وداخل الخاطر» . ۳
والمراد ما يقع في خيالهم ووهمهم ممّا يحسبونه خيرا مؤثّرا بحسب استعدادهم

1.الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيعا ، ص ۳۶۹ .

2.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۷۲۲ (ضمر) .

3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۷۶ (ضمر) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
344

وقوله : «فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء» أي إذا اتّصف بالمشيّة بعد ما لم يكن بذاته شائيا ومناطا للمشيّة ، كان الذي شاء ـ أي وُجد ـ متعلّق المشيّة ، وترتّب وجوده على المشيّة بشروط الترتّب على وفق استدعائها لوجوده وترجيحها له .
قوله : «[و]عِلْمُ اللّهِ السابِقُ المشيّة» ۱ أي علم اللّه هو الذي يسبق المشيّةَ ويتقدّمها ، ويحتمل إعمال «السابق» ونصب «المشيّة»؛ وإضافة «السابق» إلى «المشيّة» من باب «الضارب الرجل» .
وللكلام وجهٌ آخر لا يخلو عن بُعد ، وهو كون «السابق» صفةً لقوله ۲ «علم اللّه » و«المشيّة» خبرا له ، ويكون المعنى : علم اللّه السابق إلى المعلوم ـ وترجيح وجوده من حيث هو سابق إليه ، ومرجّح له بما يلحقه بعدما لم يكن بذاته مناطا لهذه الجهة كما هو بذاته مناط للعلم ـ هو المشيّة . انتهى . ۳
أقول : أكثر إطلاق المشيّة في الأخبار على المشيّة الفعليّة ، أي الإحداث أو تيسير أسباب الوجود ، اختياريّةً كانت أو غير اختياريّة ، ولعلّ ذلك لأنّ أفهام أكثر مخاطبي الأئمّة عليهم السلام كانت قاصرةً عن فهم المشيّة الذاتيّة فهما لا يوقعهم في المفاسد ، مثل القول بالميل وهيجان الشوق في اللّه تبارك وتعالى ، والقول بالاُصول الأزليّة ذات الخواصّ واللوازم الداعية للّه تعالى [إلى] أفعال مخصوصة ، وعدم ابتنائها على الحكمة والتدبير، وإحالة السعادة والشقاء إلى البخت والاتّفاق ، كما يقول الشاعر : «تا يار كِرا خواهد و ميلش به كه باشد».
والقرآن المجيد ـ زاده اللّه شرفا ـ لمّا لم يكن أكثر آياته الكريمة ملقاةً إلى عموم الناس ، بل إلى من اُنزل إليه والراسخين في العلم ، قد اُشير فيه إلى المشيّة الذاتيّة حيث قال عزّ من قائل : «يَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ»۴ و «يَحْكُمُ مِا يُرِيدُ» . ۵
وهذا الحديث يمكن أن يُحمل[على] أنّه من الأحاديث التي اُريد فيها بالمشيّة المشيّةُ الفعليّة ، ولمّا كان الخطاب مع عامّة الناس استدلّ على الحدوث ، والفرق بينها

1.في الكافي المطبوع : «للمشيّة».

2.ما أثبتناه من المصدر ، وفي المخطوطة : «لكونه» .

3.الحاشية على اُصول الكافي للميرزا رفيعا ، ۳۶۷ ـ ۳۶۸ .

4.إبراهيم (۱۴) : ۲۷ .

5.المائده (۵) : ۱ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103654
صفحه از 637
پرینت  ارسال به