349
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الرضا عليه السلام ، وسنورد هناك بعضَ ما تركنا هاهنا ، وقد مرّ بعضها في باب نفي الجسم والصورة ، وباب نفي الزمان والمكان . ۱
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه .
وأنا أقول : حلّ الشبهة المورَدة في مسبوقيّة أفعال العباد بإرادتهم إنّما هو بأن يبيّن معنى كون إرادتهم مخلوقةً بنفسها ، وقد بيّنّاه في رسالتنا في إبطال الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين .
ونقول هاهنا على وجه الإجمال : إنّ الإرادة المطلقة من الصفات الذاتيّة للحيوان بما هو حيوان ، ولذا تسمعهم يقولون في حدّ الحيوان : «إنّه جوهر قابل للأبعاد نامٍ حسّاسٌ متحرّك بالإرادة» . وأمّا الإرادات الجزئيّة نوعا وشخصا ، فتابعة للفصول والقوى المركّبة في كلّ نوع ، والمزاج وقوّة القوى وضعفها بالفطرة ، وبمصادفات الاُمور الخارجيّة من المعاشرات والاكتسابات للعلوم والأخلاق والسلطنة والمال إلى غير ذلك . والكلّ بتقدير الحكيم القدير ومشيّته وقضائه ، وكلّ مصادف بالنسبة إلى خصوص كلّ أحدٍ مهيّج قوّة من القوى ، وداعٍ إلى حركة خاصّة ، وإذا تعارضت القوى فالدست للغالب ، فهيجان الشوق إلى ما دعاه الغالب هو الإرادة الجزئيّة ، فالإرادة المطلقة كالمادّة تحصل لها في كلّ شخص باعتبار الحالات المذكورة صورةٌ ، وتكون كامنةً فيه إلى أن تبرز بأسباب البروز وتصير شخصا؛ «از كوزه همان برون طراود كه دروست» والعصمة من اللّه .
وفي الصحيفة السجّاديّة التي هي زبور آل محمّد عليهم السلام : «إذا هَمَمْنا بهَمَّيْنِ يُرضيك أحدُهما عنّا ، ويُسخطك الآخر علينا ، فَمِلْ بنا إلى ما يُرضيك عنّا ، وأوْهِنْ قوّتَنا عمّا يُسخِطُك علينا ، ولا تُخَلِّ في ذلك بين نفوسنا واختيارها ؛ فإنّها مختارةٌ للباطل إلّا ما وَفَّقْتَ ، أمّارةٌ بالسوء إلّا ما رَحِمْتَ» . ۲
وفيما سمح جواد القلم هاهنا كفايةٌ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد .

1.بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۴۵ ـ ۱۴۷ .

2.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۵۸ ، الدعاء ۹ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
348

وعلى المخلوقات ، بل هي نسبة بينهما تحدث بحدوث المخلوقات؛ لفرعيّتها للمنتسبين معا .
فنقول : إنّه لمّا كان هاهنا مظنّةُ شبهةٍ هي أنّه إن كان اللّه عزّوجلّ خلق الأشياء بالمشيّة ، فبِمَ خلق المشيّة؟ أبمشيّةٍ اُخرى ، فيلزم أن يكون قبل كلّ مشيّة مشيّةٌ إلى ما لا نهاية له ؟
فأفاد الإمام عليه السلام أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيّة ؛ أمّا المشيّة نفسها فلايحتاج خلقها إلى مشيّة اُخرى ، بل هي مخلوقة بنفسها ؛ لأنّها نسبة وإضافة بين الشائي والمَشيء تتحصّل بوجوديهما العيني والعلمي ، ولذا أضاف خلقها إلى اللّه سبحانه ؛ لأنّ كلا الوجودين له وفيه ومنه .
وفي قوله عليه السلام : «بنفسها» دون أن يقول «بنفسه» إشارةٌ لطيفة إلى ذلك ؛ نظير ذلك ما يُقال : إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود ، فأمّا الوجود نفسه فلايفتقر إلى وجودٍ آخَرَ ، بل إنّما يوجد بنفسه .
الخامس : ماذكره بعض المحقّقين بعدما حقّق أنّ إرادة اللّه تعالى المتجدّدةَ هي نفس أفعاله المتجدِّدة الكائنة الفاسدة ، فإرادته لكلّ حادث بالمعنى الإضافي ترجع إلى إيجاده، وبمعنى المراديّة ترجع إلى وجوده . قال : نحن إذا فعلنا شيئا بقدرتنا واختيارنا ، فأردناه أوّلاً ، ثمّ فعلناه بسبب الإرادة ؛ فالإرادة نشأت من أنفسنا بذاتها ، لا بإرادة اُخرى، وإلّا تسلسل الأمر إلى ما لا نهاية ؛ فالإرادة مرادة لذاتها ، والفعل مراد بالإرادة ، وكذا الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها لذيذةٌ بنفسها ، وسائر الأشياء مرغوبة بالشهوة .
وعلى هذا المثال حال مشيّة اللّه المخلوقةِ ، وهي نفس وجودات الأشياء ؛ فإنّ الوجود خير ومؤثّر لذاته ومجعول بنفسه ، والأشياء بالوجود موجودة ، والوجود مَشيء بالذات ، والأشياء مشيّة بالوجود ، وكما أنّ الوجود حقيقة واحدة متفاوتة بالشدّة والضعف والكمال والنقص ، فكذا الخيريّة والمشيئة ، وليس الخير المحض الذي لا يشوبه شرّ إلّا الوجود البَحْت الذي لا يمازجه عدم ونقص ، وهو ذات الباري جلّ مجده ؛ فهو المراد الحقيقي ، إلى آخر ما حقّقه .
والأوفق بالأخبار هو الوجه الأوّل كما سيظهر لك في كتاب العدل ، وسيأتي بعض الأخبار المناسبة لهذا الباب هناك ، وخبرُ سليمان المروزي في باب احتجاجات

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103451
صفحه از 637
پرینت  ارسال به