353
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

ولمّا كان المراد بالاسم كلَّ ما يدلّ على ذاته وصفاته تعالى أعمَّ من أن يكون اسما أو فعلاً أو جملةً ، لا محذور من عدّ «تبارك» من الأسماء .
والثالث : هو «سبحان» الدالّ على تنزيهه تعالى من جميع النقائص ، فيندرج فيه ويتبعه جميع الصفات السلبيّة والتنزيهيّة ؛ هذا على نسخة التوحيد .
وفي الكافي : «هو اللّه تبارك وتعالى ، وسخّر لكلّ اسم» فلعلّ المراد أنّ الظاهر بهذه الأسماء هو اللّه تبارك وتعالى، وهذه الأسماء إنّما جعلها ليظهر بها على الخلق ، فالمظهر هو الاسم ، والظاهر به هو الربّ سبحانه .
ثمّ لمّا كان لكلّ من تلك الأسماء الثلاثة الجامعة شعب أربعة ترجع إليها ، جُعل لكلّ منها أربعة أركان هي بمنزلة دعائمه ؛ فأمّا «اللّه » فلدلالته على الصفات الكماليّة الوجوديّة له أربعة دعائمَ هي : وجوب الوجود المعبّر عنه بالصمديّة والقيموميّة والعلم والقدرة والحياة ، أو مكان الحياة واللطف والرحمة والعزّة ، وإنّما جعلت هذه الأربعة أركانا لأنّ سائر الصفات الكماليّة إنّما يرجع إليها كالسميع والبصير والخبير مثلاً ، فإنّها راجعة إلى العلم ، والعلم يشملها وهكذا .
وأمّا «تبارك» فلها أركانٌ أربعة هي : الإيجاد ، والتربية في الدارين ، والهداية في الدنيا ، والمُجازاة في الاُخرى ؛ أي الموجد أو الخالق ، والربّ ، والهادي ، والديّان .
ويمكن إدخال الهداية في التربية ، وجعل المجازاة ركنين : الإثابة والانتقام ، ولكلّ منها شعب من أسماء اللّه الحسنى، كما لايخفى بعد التأمّل والتتبّع .
وأمّا «سبحان» فله أربعة أركان ؛ لأنّه إمّا لتنزيه الذات عن مشابهة الممكنات ، أو لتنزيهه عن إدراك الحواسّ والأوهام والعقول ، أو لتنزيه صفاته عمّا يوجب النقص ، أو تنزيه أفعاله عمّا يوجب الظلم والعجز والنقص .
ويحتمل وجها آخر وهو تنزيهه عن الشرك والأضداد ، وتنزيهه عن المشاكلة والمشابهة ، وتنزيهه عن إدراك العقول والأفهام ، وتنزيهه عمّا يوجب النقص والعجز من التركيب والصاحبة والولد والتغيّرات والعوارض والظلم والجور والجهل وغير ذلك .
وظاهر أنّ لكلّ منها شعبا كثيرةً ، فجعل عليه السلام شعب كلّ منها ثلاثين ، وذكر بعض أسمائه الحسنى على سبيل التمثيل ، وأجمل الباقي .
ويُحتمل على ما مرّ في الكافي أن يكون الأسماء الثلاثة ما يدلّ على وجوب الوجود


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
352

أظهر من كلّ شيء ؛ أو مستتر بكمال ذاته من غير ستر وحاجب ؛ أو أنّه غير مستور ، بل هو في غاية الظهور ، والنقص إنّما هو من قِبَلنا .
ويجري نظير الاحتمالات في الثاني ، ويُحتمل على الثاني أن يكون المراد أنّه مستور عن الخلق غير مستور عنه تعالى .
وأمّا تفصيل الأجزاء وتشعّب الأسماء ، فيمكن أن يُقال : إنّه لمّا كان كنه ذاته تعالى مستورا عن عقول جميع الخلق ، فالاسم الدالّ عليه ينبغي أن يكون مستورا عنهم ، فالاسم الجامع هو الاسم الذي يدلّ على كنه الذات من جميع الصفات الكماليّة ، ولمّا كانت أسماؤه تعالى ترجع إلى أربعة ـ لأنّها إمّا أن تدلّ على الذات ، أو الصفات الثبوتيّة ، أو السلبيّة التنزيهيّة ، أو صفات الأفعال ـ فجُزّئ ذلك الاسم الجامع إلى أربعة أسماء جامعةٍ ، واحدٌ منها للذات فقط ، فلما ذكرنا سابقا استبدّ تعالى به ولم يعطه خلقا ، وثلاثة منها يتعلّق بالأنواع الثلاثة من الصفات ، فأعطى ليعرفوه بها بوجهٍ من الوجوه ؛ فهذه الثلاثة حجب ووسائطُ بين الخلق وبين هذا الاسم المكنون ؛ إذ بها يوصَلون إلى الذات وإلى الاسم المختصّ .
ولمّا كانت تلك الأسماء الأربعة مطويّةً في الاسم الجامع على الإجمال ، لم يكن بينها تقدّم وتأخّر ، ولذا قال : «ليس واحد منها قبل الآخر» .
ويمكن أن يُقال على بعض الاحتمالات السابقة : إنّه لمّا كان تحقّقها في العلم الأقدس ، لم يكن بينهما تقدّم وتأخّر .
أو يُقال : إنّ إيجادها لمّا كان بالإضافة على بعض الأرواح المقدّسة ولم يكن بالتكلّم، لم يكن بينها وبين أجزائها تقدّم وتأخّر في الوجود كما يكون في تكلّم الخلق . والأوّل أظهر .
ثمّ بيّن الأسماء الثلاثة ؛ فأوّلها : «اللّه » وهو الدالّ على النوع الأوّل ؛ لكونه موضوعا للذات المستجمع للصفات الذاتيّة الكماليّة .
والثاني : «تبارك» لأنّه من البركة والنموّ ، وهو إشارة إلى أنّه معدن الفيوض ، ومنبع الخيرات التي لا تتناهى ، وهو رئيس جميع الصفات الفعليّة من الخالقيّة والرازقيّة والمنعميّة وسائر ما هو منسوب إلى الفعل ، كما أنّ الأوّل رئيس الصفات الوجوديّة من العلم والقدرة وغيرهما .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 130136
صفحه از 637
پرینت  ارسال به