357
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

ليعرف مواقع الاختلاف ، وليعلم أنّ قوله عليه السلام : «إنّما عرف اللّه من عرفه باللّه » لم يقع فيه تصرّف من الرواة والكُتّاب ، فليتأمّل في إيثاره على قول : «إنّما عرف اللّه من عرفه به» وقول : «إنّما عرف اللّه من عرف اللّه به ـ أو باللّه ـ » .
والذي يخطر بالبال أنّ المراد ب «اللّه » في : «عرف اللّه » الذات الأقدس ، وب «اللّه » في قوله : «باللّه » المعنى الوصفي ، أعني ما يستحقّ أن يخصّ العبادة لكونه ربّ العالمين .
ثمّ إنّ في عبارة : «وهو غاية من غاياه» تأمّلاً ، بناءً على أنّه بالغين المعجمة والياء المثنّاة التحتانيّة ؛ إذ لم يذكر له أهل اللغة الذين وصلت إلينا كتبهم مثل الزمخشري في الفائق والأساس ، وابن فارس في المجمل ، والجوهري في الصحاح ، وابن الأثير في النهاية ، والمطرزي في المغرب ، والبيهقي في تاج المصادر لذلك معنى يناسب المقام .
نعم ، ذكروا : غايا القوم فوق رأس فلان بالسيف كأنّهم أظلّوه به ، والغاية مدى الشيء ، والجمع : غاي، مثل ساعة وساع . والغاية : الراية ، يُقال : غييت غاية وأغييت : إذا نصبتهما . ۱
وفي النهاية : «غاية كلّ شيء: مداه ومنتهاه» . ۲
وفي القاموس : «الغياية: كلّ ما أظلّ الإنسان من فوق رأسه، كالسحابة ونحوها . وغايا القوم فوق رأسه بالسيف أظلّوا . والغاية : المدى» ۳ . ومثله ما في المجمل . ۴
وفي خطبة الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في مجلس المأمون ـ وقد أوردها الصدوق طاب ثراه في التوحيد وعيون الأخبار ـ قال : «ومن قال : إلى مَ فقد نهاه ، ومن قال : حتّى م فقد غيّاه ، ومن غيّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه» . ۵

1.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۴۵۱ ؛ لسان العرب ، ج ۱۵ ، ص ۱۴۳ (غيا) .

2.النهاية ، ج ۳ ، ص ۴۰۴ (غيا) .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۷۲ (غيا) .

4.مجمل اللغة ، ج ۴ ، ص ۲۲ (غوى) .

5.التوحيد ، ص ۳۴ ، ح ۲ ؛ عيون أخبار الرضا، ج ۱ ، ص ۱۴۹ ، ح ۵۱ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
356

قوله : (واللّهُ غايةٌ من غاياه) .۱
[ح ۴ / ۳۱۱]

في كتاب التوحيد عن الحسن بن سعيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «اللّه غايةُ من غيّاه ، والمغيّا غير الغاية» . ۲
وفيه : ابن المتوكّل ، عن محمّد بن العطّار ، عن ابن أبان ، عن ابن اُورمة ، عن عليّ بن الحسين بن محمّد ، عن خالد بن يزيد ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «اسم اللّه غير اللّه ، وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا اللّه ؛ فأمّا ما عبّرت الألسن عنه أو عملت الأيدي فيه فهو مخلوق ، واللّه غاية من غاياه ، والمغيّا غير الغاية ، والغاية موصوفة ، وكلّ موصوف مصنوع ، وصانع الأشياء غير موصوف بحدٍّ مسمّى، لم يتكوّن فتعرف كينونته بصنع غيره ، ولم يتناه إلى غاية إلّا كانت غيره ، لا يذلّ من فهم هذا الحكم أبدا ، وهو التوحيد الخالص ، فاعتقدوه وصدّقوه وتفهّموه بإذن اللّه عزّوجلّ ، ومن زعم أنّه يعرف اللّه بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك ؛ لأنّ الحجاب والمثال والصورة غيره ، وإنّما هو واحد موحّد ، فكيف يوحّد من زعم أنّه عرفه بغيره ، إنّما عرف اللّه من عرفه باللّه ، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنّما يعرف غيره ، ليس بين الخالق والمخلوق شيء، واللّه خالق الأشياء لا من شيء ، يسمّى بأسمائه ، فهو غير أسمائه ، والأسماء غيره ، والموصوف غير الوصف ، فمن زعم أنّه يؤمن بما لا يعرف فهو ضالّ عن المعرفة ، لا يدرك مخلوق شيئا إلّا بإذن اللّه ، ولا يدرك معرفة اللّه إلّا باللّه ، واللّه خِلْو من خلقه، وخلقه خلو منه ، وإذا أراد شيئا كان كما أراد بأمره من غير نطق ، لا ملجأ لعباده ممّا قضى ، ولا حجّة لهم فيما ارتضى ، لم يقدروا على عمل، ولا معالجة ممّا أحدث في أبدانهم المخلوقة إلّا بربّهم ، فمن زعم أنّه يقوى على عمل لم يرد اللّه عزّوجلّ فقد زعم أنّ إرادته تغلب إرادة اللّه ؛ تبارك اللّه ربّ العالمين» . ۳
أقول : هذا الحديث الذي أورده الكليني طاب ثراه ، وإنّما نقلته من كتاب التوحيد

1.في الكافي المطبوع : «غاياته» .

2.التوحيد ، ص ۵۸ ، ح ۱۶ .

3.التوحيد ، ص ۱۴۲ ، ح ۷ . وقريبا منه في ص ۱۹۲ ، ح ۶ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103695
صفحه از 637
پرینت  ارسال به