359
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الرابع : أن يكون المراد أنّ الحقّ تعالى غاية أفكار مَن جعله غايةً وتفكّر فيه ، والمعنى المقصود ـ أعني ذات الحقّ ـ غير ما هو غاية أفكارهم ومصنوع عقولهم؛ إذ غاية ما يصل [إليه] أفكارهم ويحصل في أذهانهم موصوف بالصفات الزائدة الإمكانيّة، وكلّ موصوف كذلك مصنوع .
الخامس : ما صحّفه بعض الأفاضل حيث قرأ: «عانة من عاناه» أي الاسم ملابس من لابسه ؛ قال في النهاية : معاناة الشيء : ملابسته ومباشرته . ۱
أو مهمّ من اهتمّ به ؛ من قولهم : عنيت به فأنا عانٍ ، أي اتّهمت به واشتغلت ؛ أو أسيرٌ من اُسره . وفي النهاية : «العاني : الأسير ، وكلّ من ذلّ واستكان وخضع فقد عنا يعنو، فهو عانٍ». ۲
أو محبوس من حبسه . وفي النهاية : «وعَنّوا بالأصوات أي احبسوها» . ۳ والمعنى أي المقصود بالاسم غير الغاية أي غير ما نتصوّره ونعقله .
ثمّ اعلم أنّه على بعض التقادير يمكن أن يقرأ «واللّهِ» بالكسر بأن يكون الواو واوَ القسم .
قوله : «غير موصوف بحدّ» أي الحدود الجسمانيّة ، أو الصفات الإمكانيّة ، أو الحدود العقليّة .
وقوله : «مسمّى» صفة بحدّ للتعميم ، كقوله تعالى : «لَمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا»۴ ، ويُحتمل أن يكون المراد أنّه غير موصوف بالصفات التي هي مدلولات تلك الأسماء ، وقيل : هو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف .
قوله : «لم يتكوّن فيعرف كينونته بصنعٍ غيره» قيل : المراد أنّه لم يتكوّن فيكونَ محدثا بفعل غيره ، فيعرفَ كينونته وصفات حدوثه بصنع صانعه كما تعرف المعلولات بالعلل .
أقول : لعلّ المراد أنّه غير مصنوع حتّى يُعرف بالمقايسة إلى مصنوعٍ آخر ، كما يعرف المصنوعات بمقايسة بعضها إلى بعض ، فيكون الصنع بمعنى المصنوع و«غيره» صفة له ، أو أنّه لا يُعرف بحصول صورة هي مصنوعة لغيره ؛ إذ كلّ صورة ذهنيّة مصنوعةٌ للمدرك ، معلولة له .

1.النهاية ، ج ۳ ، ص ۳۱۴ (عنا) .

2.النهاية ، ج ۳ ، ص ۳۱۵ (عنا).

3.الإنسان (۷۶) : ۱ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
358

قال صاحب البحار بعد نقل تلك الرواية :
«من قال : إلى م» أي إلى أيّ شيءٍ ينتهي شخصه «فقد نهاه» أي جعل له حدودا ونهاياتٍ جسمانيّة وهو منزّه عنها . «ومن قال : حتّى م» يكون وجوده «فقد غيّاه» أي جعل لبقائه غايةً ونهايةً ، ومن جعل له غاية فقد غاياه ، أي حكم باشتراكه مع المخلوقين في الفناء ، فيصحّ أن يُقال : غايته قبل غاية فلان أو بعده ، ومن قال به فقد حكم باشتراكه معهم في المهيّة في الجملة ، فقد حكم بأنّه ذو أجزاء ، ومن قال به فقد وصفه بالإمكان والعجز وسائر نقائص الممكنات ، ومن حكم به فقد ألحد في ذاته تعالى . ۱
وسيجيء تمام الخطبة مع شرحه .
وقال ـ زيدَ إكرامه ـ في شرح هذه الخطبة :
اعلم أنّ الغاية تُطلق على المدى والنهاية ، وعلى امتداد المسافة ، وعلى الغرض والمقصود من الشيء ، وعلى الراية والغاية ۲ ، فهذه العبارة تحتمل وجوها :
الأوّل : أن تكون الغاية بمعنى الغرض والمقصود ، أي كلمة الجلالة مقصودُ من جعله مقصودا ، وذريعةُ من جعله ذريعةً ؛ أي كلّ من كان له مطلب وعجز عن تحصيله بسعيه يتوسّل إليه باسم اللّه ، والمغيّا بالغين المعجمة والياء المثنّاة المفتوحة، أي التوسّل إليه بتلك الغاية غير الغاية، أو بالياء المكسورة، أي الذي جعل تلك الغاية غايةً هو غيرها . وفي بعض النسخ : «والمعنى» بالعين المهملة والنون، أي المقصود بذلك التوسّل، أو المعنى المصطلح غير تلك الغاية التي هي الوسيلة إليه .
الثاني : أن يكون المراد بالغاية النهاية، وباللّه الذات لا الاسم ؛ أي الربّ تعالى غاية آمال الخلق يدعونه عند الشدائد بأسمائه العظام ، والمغيّا ـ بفتح الياء المشدّدة ـ : المسافة ذات الغاية ، والمراد هنا الأسماء، فكأنّها طرق ومسالك توصل الخلق إلى اللّه في حوائجهم . والمعنى أنّ العقل يحكم بأنّ الوسيلة غير المقصود بالحاجة، وهذا لا يلائمه قوله «والغاية موصوفة» إلّا بتكلّف تامّ .
الثالث : أن يكون المراد بالغاية العلامة، وصُحّفت «غاياه» ب «غاياته» أي علامة من علاماته ، والمعنى أي المقصود، أو المعنى ۳ أي ذو العلامة غيرها .

1.بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۲۳۵ .

2.في المصدر : «والعلامة».

3.في المصدر: «أو المغيّا».

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103688
صفحه از 637
پرینت  ارسال به