363
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

يكون المراد باللّه المفهوم الصفتي .
وعلى هذا يكون الباء في «بحجابٍ» أو «مثال» أيضا للملابسة لئلّا ينقطع نظم الكلام ، فالمعنى أنّه من حاول أن يعرف اللّه تعالى زاعما أنّه ملابس بحجاب أي هو وراء حجاب كالملوك المتجبّرة ، وبصورة أي هو ذو شكلٍ وهيأة وتخطيط كالشابّ الموفّق ، وبمثال أي هو ذو مقدار وكميّة كالأجسام المعروفة .
في القاموس : «المثال : المقدار ، وصفة الشيء» . ۱
وهذا المثال أنسب بمقتضى الحال من أن يُقال : المراد المتّصل والمنفصل اللذين بين الفلاسفة ، وكذا الحجاب اللغوي أربطُ بالمقام ممّا لا يكاد يصل إلى الأفهام .
نعم ، إذا حمل الباء على الاستعانة احتيج إلى ذلك ، وتعليل الاشتراك بأنّ حجابه ومثاله وصورته غيره يدلّ على أنّها بزعمهم أشياء تلازم الذات، ولا يكون الذات بدونها حتّى يتحقّق التعدّد المعتبر في الإشراك ، وإلّا فمجرّد المعرفة بالغير لايوجب إشراكا كما في معرفته تعالى بأفعاله المحكمة المتقنة وهي غيره ، وأنّى يتصوّر زعم التلازم المذكور بين الذات الأقدس والحجاب بمعنى أئمّة الضلال وعلماء السوء ، أو بمعنى الرسول المبيِّن ، والصورة بمعنى الصورة الذهنيّة والخياليّة ، والمثال بمعنى المماثل بوجه ، أو بالمعنى الذي عند الفلاسفة .
فقوله عليه السلام : (وكيف وحّده مَن زَعَمَ أنّه عَرَفَه بغيره) [ح ۴ / ۳۱۱] يعني ملابسا بغيره .وقوله : (إنّما عَرَفَ اللّه ) أي عرف الذات الأقدس (مَنْ عَرَفَه بِاللّهِ) [ح ۴ / ۳۱۱] أي بهذا المفهوم الذي جمع فيه جميع الصفات الكماليّة والتقديسيّة .
ويرجع إلى هذا المعنى ما في حديث موسى بن جعفر عليهماالسلامبعد نقل هذا الحديث، وقد سُئل عن معنى اللّه ، فقال : «استولى على ما دقّ وجلّ» ۲ .
والمعرفة بهذا المفهوم بمعنى الإذعان بأنّه تعالى يصدق عليه هذا المفهوم ، وهو يستحقّه بنفس ذاته تعالى شأنه عمّا يصفه المشبّهون علوّا كبيرا .

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۴۹ (مثل) .

2.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۱۴ ، ح ۳ ؛ التوحيد ، ص ۲۳۰ ، ح ۴ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
362

وهذه الفقرات كلّها مؤيّدة للمعنى الأخير، كما لا يخفى لمن تأمّل فيها .
ثمّ بيّن عليه السلام كون الأشياء بمشيّته تعالى ، وأنّ إرادة الخلق لا تغلب إرادته كما سيأتي تحقيقه في كتاب العدل . ۱
انتهى ما أوردنا نقله من كتاب البحار .
وأنا أقول : المتعارف في زمن المعصومين عليهم السلام من الصورة التي كانت تذكر في أمر التوحيد ـ وتنسب إلى هشام بن سالم ـ الشكل والتخطيط ، وقد سبق في باب النهي عن الصفة بغير ما وصفه به نفسه أنّ قوما بالعراق يصفون اللّه بالصورة والتخطيط ، وأنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رأى ربّه في صورة الشابّ الموفَّق . ۲
وفي القاموس : «الصورة ـ بالضمّ ـ : الشكل» . ۳
وفي النهاية :
فيه : «أتاني ربّي الليلةَ في أحسن صورة» والصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها [وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته] وعلى معنى الصفة ؛ يقال : صورة العقل كذا وكذا ، أي هيأته ، وصورة الأمر كذا وكذا أي صفته . ۴
فالمناسب أن تحمل اللفظة على المتعارف أو عرف اللغة ، لا على الصورة الذهنيّة التي هي عرف الفلاسفة حتّى يجعل الباء في قوله عليه السلام : «من زعم أنّه يعرف اللّه بحجاب أو بصورة أو بمثال» بمعنى الاستعانة ، بل على ما حملنا الصورة بالملابسة، كما في قولك : عرفت زيدا بالكرم .
ومن هذا الباب ما في رواية عليّ بن عقبة السابقة في باب أنّه لا يعرف إلّا به ، حيث قال : سُئل أمير المؤمنين عليه السلام : بِمَ عرفت ربّك ؟ قال : «بما عرّفني به ۵ نفسه» . ۶
وكذا في رواية الفضل من قوله عليه السلام : «اعْرِفوا اللّهَ باللّه » ۷ على أحد محمليه ، وهو أن

1.بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۶۲ ـ ۱۶۵ .

2.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۰۰ ، باب النهي عن الصفة ... ، ح ۱ .

3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۷۳ (صور) .

4.النهاية ، ج ۳ ، ص ۵۸ ـ ۵۹ (صور) .

5.في الكافي المطبوع : - «به» .

6.الكافي ، ج ۱ ، ص ۸۵ ، باب أنّه لايعرف إلاّ به ، ح ۲ .

7.المصدر ، ح ۱ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103617
صفحه از 637
پرینت  ارسال به