القدرة فيه نفي العجز» محلّ تأمّل ؛ إذ لا يدلّ عليه قوله : «فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه ، وكذلك قولك : عالمٌ إنّما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهلَ سواه» وذلك لأنّ نفي العجز بقولك: «قادر» أعمُّ من أن يكون باعتبار أنّه معناه ، أو لازم معناه ، وكذلك نفي الجهل بقولك: «عالم» ألا ترى أنّك إذا قلت : «إنّ زيدا قادر عالم» نفيت عنه بالكلمتين العجز والجهل ، مع أنّ أصحاب الاشتراك إنّما ادّعوا ذلك ؛ أعني الإرجاع إلى السلب في إطلاقهما على الباري عزّ اسمه فقط ، ولعلّ السيّد قدس سره نظر إلى كلام الكليني رحمه الله في ذيل باب الإرادة ، فقال ما قال .
وتحقيق المقام أنّ العالم قد يُطلق على ذات له مبدأ انكشاف الأشياء وإن لم ينكشف له شيء بعدُ ؛ لفقدان شرط ، وقد يطلق على من انكشف له بالفعل ، والجاهل مقابل العالم بالمعنى الثاني ، فهو من لم ينكشف له دون العالم بالمعنى الأوّل ؛ إذ لا يقابل للجماد أنّه جاهل ، وأكثر ما يطلق العالم على اللّه هو بالمعنى الثاني .
وقوله عليه السلام : «إنّما نفيت بالكلمة الجهل» للإشعار بذلك ، وكذلك سائر الصفات الذاتيّة أكثر إطلاقها على اللّه تعالى باعتبار الغايات ، وينفى بها المقابلات ، وليس المقصود أنّه لا يجوز أن يُطلق عليه الصفات باعتبار المبدأ ، كيف وقد صحّ عنهم عليهم السلام أنّه سبحانه يسمع بنفسه ، ويبصر بنفسه ، وأنّه لم يزل عالما والعلم ذاته ، وقادرا والقدرة ذاته ، إلى غير ذلك . ووجه أنّ أكثر إطلاقات العالم على اللّه تعالى باعتبار الغاية ـ أي باعتبار المعنى الثاني ـ انتفاعُ عموم الناس ، وذلك لقصور الأكثر عن فهم أنّ الذات الأحديّة المقدّسة عن شوب الكثرة مبدأ بنفس ذاته لمفهومات متكثّرة متغايرة ؛ ولذلك ذهب جماعة كثيرة تراءسوا قبل أن يعضّوا في العلم بضرس قاطع إلى مبادٍ متكثّرةٍ مع اللّه تعالى ، بها يحصل الغايات المتغايرة بعد ذلك في التوحيد ، فالتزم بعضهم بتعدّد الأزلي وقالوا وبعضها موصوفا ، وفرّ بعض عن ذلك إلى ما هو إلى غير ذلك من الخرافات لعموم الناس ، ثمّ تحيّروا إذا كان بعضها صفةً أشنعَ ، وقال: صفاته تعالى لا هو ولا غيره ، ولذلك أخذ المعصومون عليهم السلام في أكثر مخاطباتهم الصفات