375
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

القدرة فيه نفي العجز» محلّ تأمّل ؛ إذ لا يدلّ عليه قوله : «فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه ، وكذلك قولك : عالمٌ إنّما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهلَ سواه» وذلك لأنّ نفي العجز بقولك: «قادر» أعمُّ من أن يكون باعتبار أنّه معناه ، أو لازم معناه ، وكذلك نفي الجهل بقولك: «عالم» ألا ترى أنّك إذا قلت : «إنّ زيدا قادر عالم» نفيت عنه بالكلمتين العجز والجهل ، مع أنّ أصحاب الاشتراك إنّما ادّعوا ذلك ؛ أعني الإرجاع إلى السلب في إطلاقهما على الباري عزّ اسمه فقط ، ولعلّ السيّد قدس سره نظر إلى كلام الكليني رحمه الله في ذيل باب الإرادة ، فقال ما قال .
وتحقيق المقام أنّ العالم قد يُطلق على ذات له مبدأ انكشاف الأشياء وإن لم ينكشف له شيء بعدُ ؛ لفقدان شرط ، وقد يطلق على من انكشف له بالفعل ، والجاهل مقابل العالم بالمعنى الثاني ، فهو من لم ينكشف له دون العالم بالمعنى الأوّل ؛ إذ لا يقابل للجماد أنّه جاهل ، وأكثر ما يطلق العالم على اللّه هو بالمعنى الثاني .
وقوله عليه السلام : «إنّما نفيت بالكلمة الجهل» للإشعار بذلك ، وكذلك سائر الصفات الذاتيّة أكثر إطلاقها على اللّه تعالى باعتبار الغايات ، وينفى بها المقابلات ، وليس المقصود أنّه لا يجوز أن يُطلق عليه الصفات باعتبار المبدأ ، كيف وقد صحّ عنهم عليهم السلام أنّه سبحانه يسمع بنفسه ، ويبصر بنفسه ، وأنّه لم يزل عالما والعلم ذاته ، وقادرا والقدرة ذاته ، إلى غير ذلك . ووجه أنّ أكثر إطلاقات العالم على اللّه تعالى باعتبار الغاية ـ أي باعتبار المعنى الثاني ـ انتفاعُ عموم الناس ، وذلك لقصور الأكثر عن فهم أنّ الذات الأحديّة المقدّسة عن شوب الكثرة مبدأ بنفس ذاته لمفهومات متكثّرة متغايرة ؛ ولذلك ذهب جماعة كثيرة تراءسوا قبل أن يعضّوا في العلم بضرس قاطع إلى مبادٍ متكثّرةٍ مع اللّه تعالى ، بها يحصل الغايات المتغايرة بعد ذلك في التوحيد ، فالتزم بعضهم بتعدّد الأزلي وقالوا وبعضها موصوفا ، وفرّ بعض عن ذلك إلى ما هو إلى غير ذلك من الخرافات لعموم الناس ، ثمّ تحيّروا إذا كان بعضها صفةً أشنعَ ، وقال: صفاته تعالى لا هو ولا غيره ، ولذلك أخذ المعصومون عليهم السلام في أكثر مخاطباتهم الصفات


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
374

ولا كذلك الظلميّات ؛ فإنّها كالتوابع والأظلال للعينيّات لا تأصّل لها في الوجود حتّى يجب أن يكون موجودا بذاته ، ومخرَجا من العدم إلى الوجود العيني ، وثبوتها نفس تابعيّتها للذات الأحديّة ، وكذا مسبوقيّتها بالذات ، فليس كالاُمور العينيّة التي مقتضى تأخّرها وانفصال وجودها عن الوجود الأزلي مسبوقيّتها بالعدم، كما سبقت إليه إشارة مّا ، وسنزيدك إيضاحا لما لوّحنا إليه هاهنا في مقام يناسبه إن شاء اللّه تعالى .
وأشار إلى حكمة خلق الأسماء والصفات المذكورة في الكتاب بأنّها «وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ويعبدونه» تنبيها على أنّها مغايرة للأسماء التي هي الأركان؛ فإنّها ليست بالألفاظ والحروف وهي بها «وهي» أي هذه المذكورات في الكتاب «ذِكْرُه ، وكان اللّهُ ولا ذِكْرَ» لأنّ الذكر موجود عيني مسبوق بالعدم ، أو تابع لموجود عيني كذلك ، فالذكر محدث «والمذكور بالذكر هو اللّه القديم الذي لم يزل» .
وقوله : «فقولك : إنّ اللّه قدير» بيان لحال توصيفه بالصفات كالعلم والقدرة ، وأنّ معانيها مغايرة للذات لا بانضمام صفة ، وأنّ أشكالها وألفاظها وصورها تفنى، وهو لا يزال قدير عالم .
والمراد إذا قلت : قولك : إنّ اللّه قدير ، «خبّرت» بهذا القول «أنّه لا يعجزه شيء» فمعنى القدرة فيه نفي العجز لا صفة وكيفيّة موجودة ، فجعلت العجز مغايرا له ، منفيّا عنه ، ونفي المغاير عن الشيء مغاير له كالمنفيّ .
وكذلك إذا قلت : قولك : عالم ، إنّما نفيت بهذا القول الجهل ، وجعلت الجهل منتفيا عنه ، ونفيه عنه مغاير له ، فمعانيها مغايرة للذات ، وصورها وألفاظها وأشكالها فانية ، وهو سبحانه لم يزل ولا يزال قادر عالم بذاته ، أي هو بذاته مناط نفي العجز والجهل لا بمغاير الذات .
وأمّا مفهومات نفي الجهل والعجز فمغايرة للذات بلا شبهه ، والعجز والجهل وأشباهها وإن كانت أعداما لكنّها أعدامُ ملكاتٍ لها حظّ من الثبوت ، به يصحّ أن يُنفى أو يثبَت . ۱
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه .
فلقد أتى في هذه الحاشية بفوائدَ جليلةٍ تستحقّ أن يُضَنّ بها ، غير أنّ قوله : «فمعنى

1.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۹۱ ـ ۳۹۴ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103616
صفحه از 637
پرینت  ارسال به