ابتداء غيره وأدوه ۱ إيّاهم دليل على أن لا أداة ۲ فيه ؛ لشهادة الأدوات بفاقة المادين .
فأسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم ، وذاته حقيقة ، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه ، وغيوره تحديد لما سواه ، فقد جهل اللّه من استوصفه ، وقد تعدّاه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه ، ومن قال: «كيف» فقد شبّهه ، ومن قال «لِمَ» فقد علّله ، ومن قال «متى» فقد وقّته ، ومن قال «فيمَ» فقد ضمّنه ، ومن قال «إلى م» فقد نهاه ، ومن قال «حتى م» فقد غيّاه ، ومن غيّاه فقد غاياه ، ومن غاياه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ، لا يتغيّر اللّه بانغيار المخلوق ، كما لا ينحدّ ۳ بتحديد المحدود .
أحدٌ لا بتأويل عدد ، وظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجلٍّ لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مباين لا بمسافة ، قريبٌ لا بمداناة ، لطيفٌ لا بتجسّم ، موجودٌ لا بعدَ عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدّر لا بحول فكرة ، مدبّر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، شاءٍ لا بهمّة ، مدرك لا بمجسّة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ؛ لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمّه الأماكن ، ولا تأخذه السِّنات ، ولا تحدّه الصفات ، ولا تقيّده الأدوات ، سبق الأوقاتَ كونُهُ، والعدمَ وجودهُ، والابتداءَ أزله ؛ بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادّته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له ، وبمقارنته بين الاُمور عرف أن لا قرين له .
ضادَّ النور بالظلمة ، والجلاية بالبهم والجسو بالبلل ، والصرد بالحرّ ، ومؤلّف بين متعادياتها ، مفرّق بين متدانياتها ، دالّة بتفريقها على معرفتها ، وبتأليفها على مؤلّفها، ذلك قوله جلّ وعزّ : «وَمِنْ كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»۴ ؛ ففرّق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، دالّة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقّتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها ، له معنى الربوبيّة إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهيّة إذ لا