405
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

ابتداء غيره وأدوه ۱ إيّاهم دليل على أن لا أداة ۲ فيه ؛ لشهادة الأدوات بفاقة المادين .
فأسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم ، وذاته حقيقة ، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه ، وغيوره تحديد لما سواه ، فقد جهل اللّه من استوصفه ، وقد تعدّاه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه ، ومن قال: «كيف» فقد شبّهه ، ومن قال «لِمَ» فقد علّله ، ومن قال «متى» فقد وقّته ، ومن قال «فيمَ» فقد ضمّنه ، ومن قال «إلى م» فقد نهاه ، ومن قال «حتى م» فقد غيّاه ، ومن غيّاه فقد غاياه ، ومن غاياه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ، لا يتغيّر اللّه بانغيار المخلوق ، كما لا ينحدّ ۳ بتحديد المحدود .
أحدٌ لا بتأويل عدد ، وظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجلٍّ لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مباين لا بمسافة ، قريبٌ لا بمداناة ، لطيفٌ لا بتجسّم ، موجودٌ لا بعدَ عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدّر لا بحول فكرة ، مدبّر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، شاءٍ لا بهمّة ، مدرك لا بمجسّة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ؛ لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمّه الأماكن ، ولا تأخذه السِّنات ، ولا تحدّه الصفات ، ولا تقيّده الأدوات ، سبق الأوقاتَ كونُهُ، والعدمَ وجودهُ، والابتداءَ أزله ؛ بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادّته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له ، وبمقارنته بين الاُمور عرف أن لا قرين له .
ضادَّ النور بالظلمة ، والجلاية بالبهم والجسو بالبلل ، والصرد بالحرّ ، ومؤلّف بين متعادياتها ، مفرّق بين متدانياتها ، دالّة بتفريقها على معرفتها ، وبتأليفها على مؤلّفها، ذلك قوله جلّ وعزّ : «وَمِنْ كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»۴ ؛ ففرّق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، دالّة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقّتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها ، له معنى الربوبيّة إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهيّة إذ لا

1.في المصدر : «وأدوات» .

2.في المصدر : «أدوات» .

3.في المصدر : «لايتحدّد».

4.الذاريات (۵۱) : ۴۹ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
404

خطبة أبي الحسن الرضا عليه السلام في كتاب عيون الأخبار :
حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال : حدّثنا محمّد بن عمر الكاتب، عن محمّد بن زياد القلزمي ، عن محمّد بن أبي زياد الجدّي صاحب الصلاة بجدّة ، قال : حدّثني محمّد بن يحيى بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلّم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد . قال ابن أبي زياد : ورواه أيضا أحمد بن أحمد بن عبداللّه العلويّ مولى لهم وخالاً لبعضهم ، عن القاسم بن أيّوب العلوي أنّ المأمون لمّا أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام جمع بني هاشم ، فقال : إنّي اُريد أن أستعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي ، فحسدوا ۱ بنو هاشم ، فقالوا : [أتولّي] رجلاً جاهلاً ليس له بصر بتدبير الخلافة ، فابعث إليه [رجلاً] يأتنا ، فنرى من جهله ما نستدلّ به عليه ، فبعث إليه فأتاه ، فقال له بنو هاشم : يا أبا الحسن اصعد المنبر، وانصب لنا عَلَما نعبد اللّه إليه ، فصعد عليه السلام المنبر ، فقعد مليّا لا يتكلّم مطرقا ، ثمّ انتفض انتفاضةً واستوى قائما ، وحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على نبيّه وأهل بيته ، ثمّ قال :
«أوّل عبادة اللّه معرفته ، وأصل معرفة اللّه توحيده ، ونظام توحيد اللّه نفي الصفات عنه ؛ لشهادة العقول أنّ كلّ صفة وموصوف مخلوق ، وشهادة كلّ مخلوق أنّ له خالقا ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كلّ موصوف وصفة بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ۲ وشهادة الحدث ۳ بالامتناع من الأزل ، فليس اللّه من عُرف بالتشبيه ذاتُه ، ولا إيّاه وَحَّد من اكتنهه ، ولا حقيقةً أصاب من مثّله ، ولا به صدّق مَن نهّاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه ، ولا إيّاه عنى من شبّهه ، ولا له تذلّل من بعّضه ، ولا إيّاه أراد من توهّم ، كلّ معروف بنفسه مصنوع ، وكلّ قائم في سواه معلول ، بصنع اللّه يُستدلّ عليه ، والعقول تعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجّته ، خَلْق اللّه الخلقَ حجابٌ بينه وبينهم ، ومباينته إيّاهم ومفارقته أينيّتهم وابتداؤه إيّاهم دليلٌ على أن لا ابتداء له ؛ لعجز كلّ مبتدأ عن

1.في المصدر : «فحسدوا».

2.في المصدر : «بالحدوث» .

3.في المصدر : «الحدوث» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144572
صفحه از 637
پرینت  ارسال به