407
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

شرح الخطبة من كتاب بحار الأنوار:

قال الفاضل المحقّق صاحب البحار بعد نقل الخبر من العيون :
في الاحتجاج رواه مرسلاً من قوله : «وكان المأمون لمّا أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام » . ۱
وفي أمالي المفيد عن الحسن بن حمزة العلوي ، عن محمّد الحميري ، عن أبيه ، عن ابن عيسى ، عن مروك بن عبيد ، عن محمّد بن زيد الطبري ، قال : سمعت الرضا عليه السلام يتكلّم في توحيد اللّه ، فقال : «أوّل عبادة اللّه معرفته» إلى آخر الخطبة . ۲
ثمّ قال :
«مليّا» أي طويلاً . والانتفاض شبه الارتعاد والاقشعرار .
قوله عليه السلام : «أوّل عبادة اللّه » أي أشرفها وأقدمها زمانا ورتبةً ؛ لاشتراط قبول سائر العبادات بها ، وأصل المعرفة التوحيد ؛ إذ مع إثبات الشريك أو القول بتركّب الذات أو زيادة الصفات يلزم القول بالإمكان ، فلم يعرف المشرك الواجبَ ولم يثبته ، ونظام التوحيد وتمامه نفي الصفات الزائدة الموجودة عنه ؛ إذ أوّل التوحيد نفي الشريك ، ثمّ نفى التركيب ، ثمّ نفي الصفات الزائدة ، فهذا كماله ونظامه .
ثمّ استدلّ على نفي زيادة الصفات ، ويمكن تقريره بوجوه :
[الوجه] الأوّل : أن يكون إشارةً إلى دليلين :
الأوّل : أنّ كلّ صفة وموصوف لابدّ من أن يكونا مخلوقين ؛ إذ الصفة محتاجة إلى الموصوف لقيامها به وهو ظاهر ، والموصوف محتاج إلى الصفة في كماله والصفة غيره ، وكلّ محتاج إلى الغير ممكن ، فلا يكون شيء منهما واجبا ولا المركّب منهما ، فثبت احتياجهما إلى علّة ثالثة ليس بموصوف ولا صفة ، وإلّا لعاد المحذور .
الثاني : أنّ الصانع لابدّ أن يكون كاملاً أزلاً وأبدا ؛ لشهادة جميع العقول به ، فلابدّ من أن يكون الصفات الزائدة مقارنة له غير منفكّة عنه ، ولا يجوز قِدم الجميع ؛ لبطلان تعدّد القدماء ، فيلزم حدوث الذات والصفات معا ، فلا يكون شيء منهما واجبا ، فالمراد بقوله : «شهادة كلّ موصوف وصفة» شهادة كلّ موصوف فرض كونه صانعا وصفته ، أو الصفات اللازمة للذوات .

1.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۳۹۸ .

2.الأمالي للمفيد ، ص ۲۵۳ ، المجلس ۳۰ ، ح ۴ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
406

مألوه ، ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع .
ليس مذ خلق استحقّ معنى الخالق ، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البرائيّة ، كيف ولا تغيبه مذ ، ولا تدنيه قد ، ولا يحجبه لعلّ ، ولا يوقته متى ، ولا يشمله ۱ حين ، ولا يقارنه مع ، إنّما تحدّ الأدوات أنفسها ، وتشير الآلة إلى نظائرها ، وفي الأشياء يوجد فعالها ، منعتها مذ القدمة ۲ ، وحمتها قد الأزليّة لولا الكلمة افترقت ، فدلّت على مفرّقها، وتباينت فأعربت عن مباينها ، لمّا تجلّى صانعها للعقول ، وبها احتجب عن الرؤية ، وإليها تحاكم الأوهام ، وفيها أثبت غيره ، ومنها أنبط الدليل ، وبها عرّفها الإقرار ، وبالعقول يعتقد التصديق باللّه ، وبالإقرار يكمل الإيمان به .
ولا ديانة إلّا بعد معرفة ، ولا معرفة إلّا بالإخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفات للتنبيه ۳ ؛ فكلّ ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكلّ ما يمكن فيه يمتنع في صانعه ، لا تجري عليها الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، أو يعود فيه ما هو ابتدأه ، إذا لتفاوت ذاته ، ولتجزّأ كنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ، ولما كان للباري معنى غير معنى المبروء ، ولوحدّ له وراء إذا حدّ ۴ له أمام ، ولو التمس له التمام إذ ألزمه النقصان ، كيف يستحقّ الأزل من لا يمتنع من الحدث ۵ ؟ وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء ؟ إذا لقامت فيه آية المصنوع ، ولتحوّل دليلاً بعدما كان مدلولاً عليه ، ليس في مُحال ۶ القول حجّةٌ ، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه للّه تعظيم ، ولا في إبانته عن الخلق ضيم إلّا بامتناع الأزلي أن يثنى ، ولما لابدأ له أن يبدأ ۷ ، لا إله إلّا هو العليّ العظيم ، كذب العادلون باللّه ، وضلّوا ضلالاً بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا ، وصلّى اللّه على محمّدٍ وأهل بيته الطاهرين» . ۸

1.في المصدر : «الحدوث» .

2.في المصدر : «يشتمله» .

3.في المصدر : «القديمة».

4.في المصدر : «للتشبيه».

5.في المصدر : «إذ الحدّ».

6.في المصدر : «مجال» .

7.في المصدر : «أن يبتدأ».

8.عيون أخبار الرضا، ج ۱ ، ص ۱۴۹ ، ح ۵۱ ؛ التوحيد ، ص ۳۴ ، ح ۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144561
صفحه از 637
پرینت  ارسال به