411
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

الجسمانيّة له ، فقد جهل عظمته وتنزّهه .
قوله عليه السلام : «فقد تعدّاه» أي تجاوزه ولم تعرفه .
قوله : «من اشتمله» أي توهّمه شاملاً لنفسه محيطا به ؛ من قولهم: «اشتمل الثوب» إذا تلقّف به ، فيكون ردّا على القائلين بالحلول والاتّحاد ؛ أو من توهّم أنّه تعالى محيط بكلّ شيء إحاطةً جسمانيّةً. ويُحتمل أن يكون كنايةً عن نهاية المعرفة والوصول إلى كنهه .
وفي بعض نسخ التوحيد : «أشمله» أي جعل شيئا شاملاً له بأن توهّمه محاطا بمكان ، ومثله قوله عليه السلام : «من اكتنهه» أي توهّم أنّه أصاب كنهه .
قوله : «ومن قال : كيف» أي سأل عن الكيفيّات الجسمانيّة «فقد شبّهه» بخلقه. «ومَن قال : لِمَ» صار عالما أو قادرا «فقد علّله» بعلّة ، وليس لذاته وصفاته علّة .
وفي المجالس وأكثر نسخ التوحيد : «علّله» وهو أظهر .
«ومن قال : متى» وجد فقد وقّت أوّل وجوده ، وليس له أوّل . «ومن قال : فيِمَ» أي في أيّ شيء هو ، فقد جعله في ضمن شيء ، وجعل شيئا متضمّنا له ، وهو من خواصّ الجسمانيّات .
«ومَن قال : إلى م» أي إلى أيّ شيءٍ ينتهي شخصه «فقد نهاه» أي جعل له حدودا ونهاياتٍ جسمانيّةً ، وهو تعالى منزّه عنها .
«ومن قال : حتّى م» يكون وجوده «فقد غيّاه» أي جعل لبقائه غايةً ونهاية ، ومن جعل له غاية فقد غاياه ، أي حكم باشتراكه مع المخلوقين في الفناء ؛ فيصحّ أن يُقال : غايته قبل غاية فلان أو بعده ، ومن قال به فقد حكم باشتراكه معهم في المهيّة ، وفي الجملة فقد حكم بأنّه ذو أجزاء ، ومن قال به فقد وصفه بالإمكان والعجز وسائر نقائص الممكنات ، ومن حكم به فقد ألحد في ذاته تعالى .
ويُحتمل أن يكون المعنى أنّ من جعل لبقائه غاية فقد جعل لذاته أيضا غاياتٍ وحدودا جسمانيّةً، بناءً على عدم ثبوت مجرّدٍ سوى اللّه تعالى ، وتفرّع التجزّي وما بعده على ذلك ظاهر .
ويمكن أن يُقال : الغاية في الثاني بمعنى العلّة الغائيّة كما هو المعروف أو الفاعليّة ، وقد يُطلق عليها أيضا بناءً على أنّ المعلول ينتهي إليها ، فهي غاية له . فعلى الأوّل المعنى أنّه من حكم بانتهائه فقد علّق وجوده على غاية ومصلحة ، كالممكنات التي عند انتهاء المصلحة ينتهي بقاؤهم ؛ وعلى الثاني المراد أنّه لو كان وجوده واجبا لما تطرّق إليه الفناء ، فيكون مستندا


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
410

مكان وغيره في مكان آخر ، بل إنّما هي بأن فارق أينيّتهم ، فليس له أين ومكان، وهم محبوسون في مطمورة ۱ المكان . أو المعنى : أنّ مباينته لمخلوقِيهِ في الصفات صار سببا لأن ليس له مكان .
قوله عليه السلام : «وأدوه إيّاهم» أي جعلهم ذوي أداة يحتاجون إليها في الأعمال من الأعضاء والجوارح وسائر الآلات دليل على أنّه ليس فيه شيء منها ؛ لشهادة الأدوات فيما نشاهده في المادّين بفاقتهم واحتياجهم إليها ، وهو منزّه عن الاحتياج . أو المعنى أنّ الأدوات ـ التي هي أجزاء للمادّين ـ تشهد بفاقتهم إلى موجد ؛ لكون كلّ ذي جزء محتاجا ممكنا ، فكيف يكون فيه تعالى ؟!
قوله عليه السلام : «فأسماؤه تعبير» أي ليست في ذاته وصفاته ، بل هي معبّرات عنها ، وأفعاله تفهيم ليعرفوه، ويستدلّوا بها على وجوده وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته .
قوله عليه السلام : «وذاته حقيقة» أي مكنونة عالية لا تصل إليها عقول الخلق ؛ بأن يكون التنوين للتعظيم والتبهيم ، أو خليقة بأن يتّصف بالكمالات دون غيرها ، أو ثابتة واجبة لا يعتريها التغيّر والزوال ؛ فإنّ الحقيقة ترد بتلك المعاني كلّها . وفي بعض نسخ التوحيد: «حقاقة» أي مثبتة موجدة لسائر الحقائق .
قوله عليه السلام : «وكنهه تفريق بينه وبين خلقه» لعلّ الغرض بيان أنّه لا يشترك في ذاتيٍّ مع الممكنات بأبلغ وجه ، أي كنهه يفرَّق بينه وبينهم ؛ لعدم اشتراكه معهم في شيء . ويُحتمل أن يكون المعنى أنّ غاية توحيد الموحّدين ومعرفتهم نفي صفات الممكنات عنه .
والحاصل عدم إمكان معرفة كنهه ، بل إنّما يعرف بالوجوه التي ترجع إلى نفي النقائص عنه كما مرّ تحقيقه .
ويؤيّد الأوّل قوله عليه السلام : «وغيوره تحديد لما سواه» فالغيور إمّا مصدر ، أو جمع غير، أي كونه [مغائرا له تحديدٌ لما سواه ، فكلّ ما سواه] مغايرا له في الكنه . ويُحتمل أن يكون المراد بقوله : «ما سواه» ما لم يكن من توابعه أصلاً ، لا جزءا له ولا صفةً ، أي كلّ ما هو غير ذاته فهو سواه ، فليس له جزءا ولا صفةً زائدة .
قوله عليه السلام : «من استوصفه» أي من طلب وصف كنهه ، وسأل عن الأوصاف والكيفيّات

1.المطمورة : حفرة، أو مكان تحت الأرض قد هيّئ خفيا ، يطمر فيه طعام أو مال . العين ، ج ۷ ، ص ۴۲۴ (طمر).

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144538
صفحه از 637
پرینت  ارسال به