417
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

المبدأ أو بعده يغيب عن غيره ، فيقال : مذ كان موجودا كان كذا .
ولمّا لم يكن زمانيّا لا تدنيه كلمة «قد» التي هي لتقريب الماضي إلى الحال ؛ إذ ليس في علمه شدّة وضعف حتّى يقربه كلمة «قد» التي للتحقيق إلى العلم لحصول شيء .
ولا تحجبه كلمة «لعلّ» التي هي لترجّي أمر في المستقبل ؛ أي لا يخفى عليه الاُمور المستقبلة، وليس له شكّ في أمر حتّى يمكن أن يقول: «لعلّ» وليس له وقت أوّلُ حتّى يقال له : متى وُجد ، أو متى علم ، أو متى قدر ، وهكذا ، أو مطلق الوقت كما مرّ مرارا ، ولا يشمله حين ولا زمان . وعلى الاحتمال الثاني تأكيد ، ويؤيّد الأوّل .
ولا يقارنه «مع» بأن يقال : كان شيء معه أزلاً ، أو مطلق المعيّة بناءً على نفي الزمان ، أو الأعمّ من المعيّة الزمانيّة أيضا ، فمن كان كذلك فليس تخلّف الخلق عنه عجزا له ولا نقصا في كماله ، بل هو عين كماله حيث راعى المصلحة .
ويمكن أن يطبَّق بعض الفقرات على ما قيل: إنّه لخروجه عن الزمان كان جميع الزمانيّات حاضرةً عنده في الأزل كلّ في وقته ، وبذلك وجّهوا نفي التخلّف مع الحدوث .
لكن في هذا القول إشكالات ليس المقام موضعَ ذكرها، وليس في مجالس المفيد والاحتجاج . «البدنيّة والقوى الجسمانيّة» أي هذه الأعضاء والقوى إنّما تحدّ وتشير إلى جسمانيٍّ مثلها ، وقيل : يعني ذوي الأدوات والآلات .
أقول : لا يبعد أن يكون المراد بالأدوات هذه الحروف والكلمات التي نفاها عنه سابقا ، فيكون كالتعليل لما سبق ، وفي الأشياء الممكنة توجد فعال : تلك الأدوات والآثار ، لا فيه تعالى .
قوله عليه السلام : «منعتها» منذ القدمة ، وحمتها قد الأزليّة ، وجنّبتها لولا التكملة ، بها تجلّى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون». وقد روي القدمة والأزليّة والتكملة بالنصب ، وقيل : كذا كان في نسخة الرضيّ أيضا بخطّه ، فتكون مفعولاتٍ ثانيةً ، والمفعولات الاُولى الضمائر المتّصلة بالأفعال ، ويكون «منذ» و«قد» و«لولا» في موضع الرفع بالفاعليّة ، والمعنى حينئذٍ أنّ إطلاق لفظ منذ وقد ولولا على الآلات تمنعها من كونها أزليّةً قديمةً كاملةً ، فلا يكون الآلات محدّدةً له سبحانه ، مشيرةً إليه جلّ شأنه ؛ إذ هي لحدوثها ونقصها بعيدة المناسبة عن الكامل المطلق القديم في ذاته ؛ أمّا الاُولى فلأنّها لابتداء الزمان ، ولا ريب أنّ منذ وجدت الآلة تنافي قدمها . وأمّا الثانية فلأنّها لتقريب الماضي إلى الحال ، فقولك : قد وجدت هذه


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
416

كالعلّيّة والمعلوليّة ، والقريب والبعيد ، والمقاربة والمباينة، والتأليف والتفريق ، والمعاداة والموافقة ، وغيرها من الاُمور الإضافيّة .
وقال بعض المفسّرين : المراد بالشيء الجنس ، وأقلّ ما يكون تحت الجنس نوعان، فمن كلّ جنس نوعان ، كالجوهر منه المادّي والمجرّد ، ومن المادّي الجماد والنامي ، ومن النامي النبات والمدرك ، ومن المدرك الصامت والناطق ، وكلّ ذلك يدلّ على أنّه واحد لا كثرة فيه ، فقوله : «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» أي تقرّون ۱ باتّصاف كلّ مخلوق بصفة التركّب والزوجيّة أنّ خالقهما واحد ، أحد ، لا يوصف بصفاتها .
قوله عليه السلام : «ليعلم أن لا قبل له ولا بعد» يدلّ على عدم كونه تعالى زمانيّا . ويُحتمل أن يكون المعنى : عرفهم معنى القبليّة والبعديّة ليحكموا أن ليس شيء قبله ولا بعده؛ ويعلم الفقراتُ التالية ممّا قدّمنا في الكلام السابقة .
والغرائز : الطبائع . ومغرزها : موجد غرائزها ومفيضها عليها ، ويمكن حملها وأمثالها على الجعل البسيط إن كان واقعا . والمفاوت ـ على صيغة اسم الفاعل ـ : من جعل بينها التفاوتَ . وتوفيتها : تخصيص حدوث كلّ منها بوقت ، وبقائها إلى وقت .
قوله عليه السلام : «جعل حُجب بعضها عن بعض» أي بالحجب الجسمانيّة أو الأعمّ ليعلم أنّ ذلك نقص وعجز ، وهو منزّه عن ذلك ؛ بل ليس لهم حجاب عن الربّ إلّا أنفسهم؛ لإمكانهم ونقصهم .
قوله عليه السلام : «معنى الربوبيّة» أي القدرة على التربية ؛ إذ هي الكمال .
قوله عليه السلام : «إذ لا مألوه» أي من له الإله ، أي كان مستحقّا للعبوديّة إذ لا عابد . وإنّما قال : «وتأويل السمع» لأنّه ليس فيه تعالى حقيقةً ، بل مأوّل بعلمه بالمسموعات .
قوله عليه السلام : «ليس مذ خلق استحقّ معنى الخالق» إذ الخالق الذي هو كماله هو القدرة ۲ على خلق كلّ ما علم أنّه أصلح ، ونفس الخلق من آثار تلك الكماليّة ، ولا يتوقّف كماله عليه . و«البرّائيّة» بالتشديد : الخلاّقيّة .
قوله عليه السلام : «كيف ولا تغيبه مذ» أي كيف لا يكون مستحقّا لهذه الأسماء في الأزل والحال أنّه لا يصير «مذ» الذي هو لأوّل الزمان سببا لأن يغيب عنه شيء ؛ فإنّ الممكن إذا كان قبل ذلك

1.في المصدر : «تعرفون» .

2.في المصدر : «إذ الخالقية التي هي كماله هي القدرة» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144444
صفحه از 637
پرینت  ارسال به