المبدأ أو بعده يغيب عن غيره ، فيقال : مذ كان موجودا كان كذا .
ولمّا لم يكن زمانيّا لا تدنيه كلمة «قد» التي هي لتقريب الماضي إلى الحال ؛ إذ ليس في علمه شدّة وضعف حتّى يقربه كلمة «قد» التي للتحقيق إلى العلم لحصول شيء .
ولا تحجبه كلمة «لعلّ» التي هي لترجّي أمر في المستقبل ؛ أي لا يخفى عليه الاُمور المستقبلة، وليس له شكّ في أمر حتّى يمكن أن يقول: «لعلّ» وليس له وقت أوّلُ حتّى يقال له : متى وُجد ، أو متى علم ، أو متى قدر ، وهكذا ، أو مطلق الوقت كما مرّ مرارا ، ولا يشمله حين ولا زمان . وعلى الاحتمال الثاني تأكيد ، ويؤيّد الأوّل .
ولا يقارنه «مع» بأن يقال : كان شيء معه أزلاً ، أو مطلق المعيّة بناءً على نفي الزمان ، أو الأعمّ من المعيّة الزمانيّة أيضا ، فمن كان كذلك فليس تخلّف الخلق عنه عجزا له ولا نقصا في كماله ، بل هو عين كماله حيث راعى المصلحة .
ويمكن أن يطبَّق بعض الفقرات على ما قيل: إنّه لخروجه عن الزمان كان جميع الزمانيّات حاضرةً عنده في الأزل كلّ في وقته ، وبذلك وجّهوا نفي التخلّف مع الحدوث .
لكن في هذا القول إشكالات ليس المقام موضعَ ذكرها، وليس في مجالس المفيد والاحتجاج . «البدنيّة والقوى الجسمانيّة» أي هذه الأعضاء والقوى إنّما تحدّ وتشير إلى جسمانيٍّ مثلها ، وقيل : يعني ذوي الأدوات والآلات .
أقول : لا يبعد أن يكون المراد بالأدوات هذه الحروف والكلمات التي نفاها عنه سابقا ، فيكون كالتعليل لما سبق ، وفي الأشياء الممكنة توجد فعال : تلك الأدوات والآثار ، لا فيه تعالى .
قوله عليه السلام : «منعتها» منذ القدمة ، وحمتها قد الأزليّة ، وجنّبتها لولا التكملة ، بها تجلّى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون». وقد روي القدمة والأزليّة والتكملة بالنصب ، وقيل : كذا كان في نسخة الرضيّ أيضا بخطّه ، فتكون مفعولاتٍ ثانيةً ، والمفعولات الاُولى الضمائر المتّصلة بالأفعال ، ويكون «منذ» و«قد» و«لولا» في موضع الرفع بالفاعليّة ، والمعنى حينئذٍ أنّ إطلاق لفظ منذ وقد ولولا على الآلات تمنعها من كونها أزليّةً قديمةً كاملةً ، فلا يكون الآلات محدّدةً له سبحانه ، مشيرةً إليه جلّ شأنه ؛ إذ هي لحدوثها ونقصها بعيدة المناسبة عن الكامل المطلق القديم في ذاته ؛ أمّا الاُولى فلأنّها لابتداء الزمان ، ولا ريب أنّ منذ وجدت الآلة تنافي قدمها . وأمّا الثانية فلأنّها لتقريب الماضي إلى الحال ، فقولك : قد وجدت هذه