419
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

«وبها» أي بالعقول «احتجب عن الرؤية» لأنّ الحاكم بامتناع رؤيته هو العقل ، وإلى العقل يتحاكم الأوهام عند اختلافها .
قوله عليه السلام : «وفيها أثبت غيره» أي كلّ ما يثبت ويرتسم في العقل فهو غيره تعالى . ويُحتمل أن يكون مصدرا بمعنى المغايرة ، أي بها يثبت مغايرته للممكنات . ويمكن إرجاع الضمير إلى الأوهام ، أي القول بالشريك له تعالى فعل الوهم لا العقل لكن فيه تفكيك ، ومن العقول يستنبط الدليل على الأشياء ، وبالعقول عرّف اللّه العقولَ أو ذويها الإقرارَ به تعالى .
ويمكن إرجاع الضمير أيضا إلى الأوهام أي الأوهام ، معيّنة للعقل ، وآلات في استنباط الدليل ، وبالأوهام عرّف اللّه العقولَ الإقرارَ بأنّه ليس من جنسها وجنس مدركاتها .
وبما ذكرنا يظهر جواز إرجاع الضميرين في النهج إلى العقول ، كما أنّه يجوز إرجاع الضمائر هنا إلى الآلات والأدوات ولكنّهما بعيدان ، والأخير أبعد .
قوله : «ولا ديانة». الديانة مصدرُ دان يدين . وفي المصادر : «الديانة : دين دارگشتن» أي لا يدين بدين اللّه ؛ أو مِن دان ، بمعنى أطاع وعبد ، أي لا عبادة إلّا بعد معرفة اللّه .
والإخلاص هو جعل المعرفة خالصةً عمّا لا يناسب ذاته المقدّسة من الجسميّة والعَرَضيّة والصفات الزائدة والعوارض الحادثة ، وحَمْله على الإخلاص في العبادة لا يستقيم إلّا بتكلّف ، ولا يتحقّق الإخلاص مع تشبيهه تعالى [بخلقه] في الذات والصفات .
وفي بعض النسخ ـ كما في الاحتجاج ـ : «ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه». فقوله : «للتشبيه» متعلّق بالنفي ، أي لم يَنفِ التشبيهَ من أثبت له الصفاتِ الزائدةَ.
وفي أكثر النسخ : «للتنبيه». ولعلّ المراد به الإشارة إلى ما مرّ من أنّه يجب إخراجه تعالى عن حدّ النفي وحدّ التشبيه ، أي إذا نفينا عنه التشبيه لا يلزم النفي المطلق مع أنّا نثبت الصفات لتنبيه الخلق على وجه لا يلزم النقص ، كما تقول : عالم لا كعلم العلماء، قادر لا كقدرة القادرين . وإنّما قال : «للتنبيه» إشارةً إلى أنّه لا يمكن تعقّل كنه صفاته تعالى .
ثمّ بيّن عليه السلام ذلك بقوله : «فكلّ ما في الخلق» .
ثمّ استدلّ عليه السلام بعدم جريان الحركة والسكون عليه بوجوه :
الأوّل : أنّه تعالى أجراهما على خلقه وأحدثهما فيهم ، فكيف يجريان فيه ؟ إمّا بناءً على ما مرّ مرارا من أنّه تعالى لا يتّصف بخلقه ، ولا يستكمل به ، واستدلّ عليه بعضهم بأنّ المؤثّر واجب التقدّم بالوجود على الأثر ، فذلك الأثر إمّا أن يكون معتبرا في صفات الكمال ، فيلزم


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
418

الآلة تحكم بقربها من الحال وعدم أزليّتها .
وأمّا «لولا» فلأنّ قولك إلى المحسّنة منها والمتوقّد من الأذهان : ما أحسنها لولا أنّ فيها كذا ، فيدلّ على نقص فيها ، فجنّبها عن الكمال المطلق .
ويروى أيضا برفع القدمة والأزليّة والتكملة على الفاعليّة ، فتكون الضمائر المتّصلة مفعولاتٍ اُولَ ، و«قد» و«منذ» و«لولا» مفعولاتٍ ثانيةً ، ويكون المعنى أنّ قدم الباري سبحانه وأزليّته وكماله المطلق منعت الآلات والأدوات عن إطلاق لفظ «قد» و«منذ» و«لولا» عليه سبحانه ؛ لأنّه تعالى قديم كامل ، و«قد» و«منذ» لا يطلقان إلّا على محدَث ، و«لولا» لا يطلق إلّا على ناقص .
أقول : ويُحتمل أن يكون المراد القدمةَ التقديريّةَ ، أي لو كانت قديمةً لمنعت عن إطلاق «منذ» عليها، وكذا في نظيريها .
وقوله عليه السلام : «بها تجلّى» أي بمشاعرنا وخلقه إيّاها وتصويره لها تجلّى لعقولنا بالوجود والعلم والقدرة .
وقوله عليه السلام : «وبها امتنع» أي بمشاعرنا استنبطنا استحالةَ كونه تعالى مرئيّا بالعيون ؛ لأنّا بالمشاعر والحواسّ كملت عقولنا ، وبعقولنا استخرجنا الدلالةَ على أنّه لا يصحّ رؤيته . أو بإيجاده المشاعر مدركةً بحاسّة البصر ظهر امتناعه عن نظر العيون ؛ لأنّ المشاعر إنّما تدرك بالبصر ؛ لأنّها ذاتُ وضعٍ ولون وغيره من شرائط الرؤية ، فبها علمنا أنّه يمتنع أن يكون محلّاً لنظر العيون . أو لمّا رأينا المشاعر إنّما تدرك ما كان ذا وضع بالنسبة إليها علمنا أنّه لا يدرك بها ؛ لاستحالة الوضع فيه .
ثمّ اعلم أنّه على ما في تلك النسخ الفقرتان الاُوليان مشتركتا ، وأمّا الثالثة فالمعنى أنّه لولا أنّ الكلمة ـ أي اللغات والأصوات والآراء والعزائم والمخلوقات فإنّها كلم الربّ ؛ لدلالتها على وجوده وسائر كمالاته ـ افترقت واختلفت ، فدلّت على مفرّق فرّقها ، وتباينت فأعربت وأظهرت عن مباينها ـ أي من جعلها متباينةً ـ أو عن صانع هو مباين لها في الصفات ، لما تجلّى فظهر صانعها للعقول، كما قال تعالى : «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ»۱ .

1.الروم (۳۰) : ۲۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144417
صفحه از 637
پرینت  ارسال به