421
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

لاشتراكه معهم في صفات الإمكان وما يوجب الاحتياجَ إلى العلّة لا مدلولاً عليه بأنّه صانع .
قوله عليه السلام : «ليس في محال القول حجّة» أي ليس في هذا القول المحال ـ أي إثبات الحوادث والصفات الزائدة له ـ حجّةٌ ، ولا في السؤال عن هذا القول ؛ لظهور خطائه جواب ، وليس في إثبات معنى هذا القول له تعالى تعظيم ، بل هو نقص له كما عرفت، وليس في إبانته تعالى عن الخلق في الاتّصاف بتلك الصفات ـ حيث نفيت عنه تعالى وأثبت فيهم ـ ضيمٌ ، أي ظلم على اللّه تعالى أو على المخلوقين ، إلّا بأنّ الأزلي يمتنع من الاثنينيّة ، وإثبات الصفات الزائدة يوجب الاثنينيّة في الأزليّ ، وبأنّ ما لا بدء ـ على المصدر ـ أو بديء له ـ على فعيل بمعنى مفعل ـ يمتنع من أن يبدأ ، ويكون له مبدأ ، أو ما نسبوا إليه تعالى ممّا مرّ مستلزم لكونه تعالى ذا مبدأ وعلّة ، فالمعنى أنّه لا يتوهّم ظلم إلّا بهذا الوجه ، وهذا ليس بظلم كما في قول الشاعر :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهمبهنّ فلول من قراع الكتائب
والعادلون باللّه هم الذين يجعلون غيره تعالى معادلاً ومشابها له .
أقول : قد روى في تحف العقول [والنهج] مثل هذه الخطبة مع زيادات عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وقد أوردتها في أبواب خطبه عليه السلام . ۱
انتهى كلام الفاضل المحقّق صاحب البحار .
ولقد أحسن وأجاد في شرح هذه الخطبة الجليلة النبيلة وحلّ مشكلاتها وكشف غوامضها ، وبقي بعدُ خبايا في زوايا ، وأنا أرجو اللّه تعالى أن يوفّقني لإبراز بعضها فأقول :
قوله عليه السلام : «أوّل عبادة اللّه معرفته» فيه توفيق بين قوله تعالى : «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ»۲ والحديث القدسي المشهور : «كنت كنزا مخفيّا ، فأحببت أن اُعرف ، فخلقت الخلق لأن اُعرف» ۳ فقول من قال : «أي ليعرفون» إن كان مستندا إلى الرواية

1.بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۲۳۱ ـ ۲۴۷، مع اختلاف يسير.

2.الذاريات (۵۱) : ۵۶ .

3.بحار الأنوار ، ج ۸۷ ، ص ۱۹۸ و ۳۴۴ ؛ تفسير الكبير للرازي ، ج ۲۸ ، ص ۲۳۴ ؛ الإحكام للآمدي ، ج ۱ ، ص ۱۳۱ ؛ تفسير ابن عربي ، ج ۲ ، ص ۱۲۳ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۵ ، ص ۱۶۳ ؛ تفسير أبي السعود، ج ۲ ، ص ۱۳۰ ؛ تفسير الآلوسي ، ج ۱۴ ، ص ۲۱۶ ؛ و ج ۱۷ ، ص ۱۲۱ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
420

أن يكون باعتبار ما هو موجد له ومؤثّر فيه ناقصا بذاته ، مستكملاً بذلك الأثر ، والنقص عليه محال ، وإن لم يكن معتبرا في صفات كماله ، فله الكمال المطلق بدون ذلك الأثر ، فيكون إثباته له نقصا في حقّه ؛ لأنّ الزيادة على الكمال المطلق نقصان، وهو عليه تعالى محال ؛ أو لأنّه لو جريا عليه لم ينفكّ أحدهما عنه ، فيدلّ على حدوثه ، كما استدلّ المتكلِّمون على حدوث الأجسام بذلك . والأوّل أظهر لفظا ومعنىً .
الثاني: أنّه يلزم أن يكون ذاته متفاوتةً متغيّرة بأن تكون تارةً متحرّكة ، واُخرى ساكنةً ، والواجب لا يكون محلّاً للحوادث والتغيّرات ؛ لرجوع التغيّر فيها إلى الذات .
الثالث: أنّه يلزم أن يكون ذاته وكنهه متجزّيا ؛ إمّا لأنّ الحركة من لوازم الجسم ، أو لأنّ الحركة بأنواعها إنّما تكون في شيء يكون فيه ما بالقوّة وما بالفعل ، أو لأنّه يستلزم اشتراكَه مع الممكنات ، فيلزم تركّبه ممّا به الاشتراك وما به الامتياز .
وأمّا قوله عليه السلام : «ولامتنع» إلى قوله : «غير المبروّ» فكالتعليل لما سبق .
وقوله عليه السلام : «ولوحدّ له وراء» أي لو قيل إنّ له وراءً وخلفا ، فيكون له أمام أيضا ، فيكون منقسما إلى شيئين ولو وَهْما ، فيلزم التجزّي كما مرّ .
ثمّ بيّن عليه السلام أنّه لايجوز أن يكون اللّه مستكملاً بغيره ، أو يحدث فيه كمال لم يكن فيه، وإلّا لكان في ذاته ناقصا ، والنقص منفيّ عنه تعالى بإجماع جميع العقلاء ، وأيضا يستلزم الاحتياج إلى الغير في الكمال المنافيَ لوجوب الوجود كما مرّ .
ثمّ أشار عليه السلام إلى أنّ الأزلي لا يكون إلّا مَن كان واجبا بالذات ، ممتنعا عن الحدث، وإلّا كان ممكنا محتاجا إلى صانع ، فلا يكون أزليّا ؛ إذ كلّ مصنوع حادثٌ. ويُحتمل أن يكون المراد بامتناع الحدوث أن يحدث فيه الحوادث وكونه محلّاً لها ، وبيانه أنّه ينافي الأزليّة والوجوب .
قوله عليه السلام : «وكيف ينشئ الأشياء» أي جميعها مَن لا يمتنع مِن كونه منشأً ؛ إذ هو نفسه ومن أنشأه لا يكونان من منشآته ، فكيف يكون منشأً للجميع ؛ أو أنّ منشئ كلّ شيء ومبدعه لا يكون إلّا واجبا كما مرّ في باب أنّه تعالى خالق كلّ شيء . ويُحتمل أن يكون المراد عدمَ الامتناع من إنشاء شيء فيه ؛ إذ لا يجوز أن يكون منشئ تلك الصفة نفسَه ولا غيرَه .
ثمّ استدلّ على جميع ما تقدّم بأنّه لو كان فيه تلك الحوادث والتغيّرات وإمكان الحدوث ، لقامت فيه علامة المصنوع ، ولكان دليلاً على وجود صانع آخر غيره كسائر الممكنات ؛

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 144134
صفحه از 637
پرینت  ارسال به