لكونه ولعروضه ، فلا محالة يكون تلك العلّة هي الذات ، فالذات لامحالة علّة لعروض تلك الصفة لنفسها ، فتكون الصفة والموصوف كلاهما متعلّق الجعل ؛ أمّا الصفة فظاهرة معلوليّتها ، وأمّا الموصوف فلأنّ كونه موضوعا لهذا العارض معلوليّته له وإن كان من نفسه، وهذا معنى ما نقوله من أنّه يلزم كون الشيء فاعلاً وقابلاً .
فإن قيل : لعلّ علّة العروض نفس الصفة بمعنى أنّها بنفسها تقتضي العروض لتلك الذات .
فنقول : ننقل الكلام إلى علّة نفس الصفة ، فإمّا أن تكون هي الذات ، فيرجع إلى ما قلناه آنفا ، وإمّا أن تكون غير الذات ، فيلزم معلوليّة الصفة والموصوف للغير ، وهو الذي أردناه .
وأمّا على القول بالعينيّة ، فإنّه ـ مع تسليم اتّحاد حيثيّة الذات والصفات ـ لا شكّ في اعتبار كون تلك الحيثيّة حيثيّةَ الذات ، متقدّم على اعتبار كونها حيثيّةَ الصفات اعتبارا واقعيّا نفسَ أمريٍّ ؛ لأنّ الذات متقدّم بالذات على الصفات ، ومنع هذا مكابرة صريحة؛ إذ الوصف مفهومه الشيء المحتاج المتأخّر عن الموصوف ؛ لامتناع كونه متقدّما أو معا بديهةً ، فإذا تحقّقت القبليّة والبَعديّة الذاتيّتين ، اتّضحت العلّيّة والمعلوليّة بين الصفة والموصوف ، وإذ قد فرضت العينيّة فالذات باعتبارٍ علّةٌ وباعتبار معلول ، وهذا واضح بحمد اللّه .
وبوجه آخر أنّ القائلين بالعينيّة يقولون : إنّ الذات كما أنّها فرد عرضي للوجود، كذلك بنفس حيثيّة أنّها ذاتٌ فرد عرضي للعلم والقدرة وغير ذلك ، وعندهم أنّ هذه الصفات موجودة بطبائعها في الخلق ، ومن البيّن أنّ كلّ ما في الخلق فهو معلول، فيلزمهم ـ بناءً على ما هو الحقّ المبرهن عليه عند أهل المعرفة من جعل الطبائع بالذات والحقيقة ـ أنّ جميع تلك الطبائع العرضيّة مجعولات الحقيقة ، فيلزم مجعوليّة الذات والصفات بالبديهة ؛ إذ جعل الطبيعة إنّما يكون بجعل الأفراد وإن كان تلك الأفراد بالعرض .
انتهى ما أردنا نقله من كلام هذا الفاضل المحقّق .
وأنا أقول غيرَ قاصد لانتصار طرف ، أو تزييف طرف ، بل ناقلاً لما انعقد به قلبي بقدر انطلاق لساني ، وأذكر أوّلاً طريق حصول معرفتي بربّ العالمين ؛ إذ بطريق الحصول يظهر أنّ أيّ المحمولات يليق بحضرة الذات ـ : إنّي نظرت بالذات ، إنّي