425
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم ، ولعلّ النمل الصغار تتوهّم أنّ للّه تعالى زبانيتين ؛ فإنّ ذلك كمالها ، وتتوهّم أنّ عدمها نقصان لمن لم يتّصف بهما ، وهكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى» انتهى كلامه صلوات اللّه عليه وسلامه . ۱
وهذه الرواية نقلها الشيخ بهاء الملّة والدِّين في شرح الأربعين. هذا، ومن كان حصول معرفته من طريقٍ آخر على غير الوجه الذي ذكرناه ، فمحمولاته على حسب معرفته ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا ، فلو فرض أنّه عرفه سبحانه من جهة الرؤية ـ مثلاً ـ كان المحمول المناسب الطويلَ والقصيرَ والأبيضَ والأحمرَ وأمثالَها ، ولو فرض أنّه عرفه سبحانه من جهة اللمس كان المناسب الخشنَ والليّن ، وعلى هذا القياس في سائر الحواسّ ، ولو فرض المعرفة من جهة النقل فبحسب ما نقل ، فإن كان المنقول المعرّفُ الصفاتِ الذاتيّةَ، نُظر إلى أنّها هل هي من شأنها الحصول للناقل بإحدى الحواسّ ، فالمحمولات المناسبة بحسبها أو لا ، فهي صفاتُ إقرارٍ أو تقديساتٌ أو تنزيهات ، وإن كان الصفات المعروف بها الصفاتِ الفعليّةَ ـ أي صفاتٍ لها تعلّق بالأفعال ، سواء اُذعن بها من جهة النقل، أو من مشاهدة الآثار ـ فلا تدلّ على مبادٍ متغايرة مع اللّه سبحانه ؛ لأنّ أمر اللّه تعالى لا يُقاس باُمور خلقه ، فلعلّ ذاته الأقدس ـ الذي ليس كمثله شيء بأنّه هو ـ مبدأ لمفهومات متغايرة ظهرت غاياتها في الآفاق والأنفس ، ولم يكن هناك لها مبادٍ غيرُ الذات بلا شوب كثرة، فيرجع الأمر إلى أنّ الأسماء الحسنى لم تزل في علم اللّه تعالى بلا كيف ، أي كانت منكشفةً له في الأزل بلا صورة ومثال ، وهو تعالى مستحقّ لها بنفس ذاته ، وباستحقاق كلّ منها صحّ لنا أن ننفي عنه مقابله ، ففائدة حمل تلك الصفات [عليه] تعالى أمران ليس إلّا : أحدهما إظهار التصديق باستحقاقه تعالى بنفس ذاته المقدّسة ، المستلزم لنفي مقابلاتها عنه . والثاني الإذعان بغاياتها في أفعاله التي في عالم الملكوت كما في أفعاله التي في عالم المُلك ؛

1.شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج ۴ ، ص ۳۸۸ ؛ مشرق الشمسين ، ص ۳۹۸ ؛ بحار الأنوار ، ج ۶۹ ، ص ۲۹۳ ، ذيل ح ۲۳ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
424

نظرت في الآفاق والأنفس ، ورأيت فيها صنوفا من التغيّرات والتقلّبات ، ووجدت لبّي مجبولاً على الحكم بإمكان المتغيّر ـ أي عدم لزوم واحد من الوجود والعدم له في حدّ ذاته ، ومع قطع النظر عن غيره ـ وعلى الحكم بافتقار الممكن إلى الغير ، وعلى الحكم بامتناع ذهاب سلسلة الافتقارات، لا إلى نهاية بالضرورة الفطريّة ، وعلى الحكم بأنّ التشكيك فيه كالتشكيك على اليقظان في أنّه لعلّك نائم ؛ فإنّ الحالات التي بك ـ من الأكل والشرب والانتقال من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان وغير ذلك ـ قد يتخيّل في المنام ، ويزعم النائم أنّه في حال اليقظة ، فبِمَ استيقنت أنّك الآنَ لست نائما ؟
فكما أنّ هذا التشكيك فيما علم بالضرورة ، كذلك احتمال ذهاب السلسلة لا إلى نهاية ، وعلى الحكم بأنّ البراهين ـ التي ذُكرت في إبطال تسلسل العلل والمعلولات تشحيذا للأذهان ـ هي التي أوقعت بعضَ الأذهان في القلق ، كما قال بعض أرباب الكمال : «اين ره از بسيارى سنگ نشان هموار نيست».
وعلى الحكم بأنّ هذه الأحكامَ كلّها حاصلة لكلّ عقل لم يعوج بمدارسة شكوك المتفلسفين ومن حذا حَذْوَهم من مجادلي المتكلِّمين ، إمّا بالضرورة الفطريّة، أو الحدس والفراسة ، أو ما شئت فسمِّ .
هذا طريق حصول معرفتي بخالق العالم من حيث الذات والمحمولات اللائقة بجنابه تعالى بحيث المعرفة الموجودة بمعنى الخارج عن حدّ التعطيل ، والواجب الوجود بمعنى الغنيّ بالذات المتعالي عن العدم السابق واللاحق وعن مشابهة المحتاجين إليه ، وبالجملة المحمولات اللّائقة لجناب القدس بهذه المعرفة ، لا تزيد على التقديس والتنزيه ، ولا يوجب تناول الذات ، كيف ولا مطمع هناك للملائكة المقرّبين ولا الأنبياء المرسلين فضلاً عن غيرهم ، وكفى في ذلك قول سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله : «ما عرفناك حقّ معرفتك» . ۱ وفي الحديث : «كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم

1.عوالي اللآلي ، ج ۴ ، ص ۱۳۲ ، ح ۲۲۷ ؛ بحار الأنوار ، ج ۶۹ ، ص ۲۹۳ ، ذيل ح ۲۳ ؛ فيض القدير ، ج ۲ ، ص ۵۲۰ ؛ تفسير الآلوسي ، ج ۴ ، ص ۷۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 143987
صفحه از 637
پرینت  ارسال به