435
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

اُخرى أقرب من كلّ قريب إذا استدلّ عليه بالدلائل الشافية ، فهو من جهة كالواضح لا يخفى على أحد ، وهو من جهة كالغامض لا يدركه أحد ، وكذلك العقل أيضا ظاهر بشواهده ، مستور بذاته» . ۱
قوله عليه السلام : «كما بتحديد المحدود» .
قال الفاضل شارح التوحيد :
تحديد المحدود هو تعيين درجة وجوده ، وتشخيص أوّله وآخره ، وتقدير أجله ، والمعنى أنّه ـ جلّ مجده ـ لمّا كان هو المعيّن لدرجات كلّ موجود ، وليس له ابتداء ولا انتهاء ، فلا حدّ له بذاته ، ولا يتّحد بذلك التحديد أيضا ؛ لأنّه خارج عن أجناس المهيّات وحقائق الموجودات ، فلا يتّصل بوجوده شيء ، وليس بعده شيء كما لم يكن قبله شيء ، وليس تحديده الشيءَ بأن يجعله في ثاني مرتبته كما الأمر في جميع العلل ـ التي سواه ـ ذلك ، حتّى يتّحد بتحديد ذلك الشيءَ ، بل هو محيط بكلّ شيء ، ولا يخرج عن ملكه شيء ، فكيف يكون له ثانٍ؟ ۲
قوله عليه السلام : «أحدٌ لا بتأويل عدد» .
قال الفاضل شارح التوحيد :
أي أحديّته ليست عدديّةً بأن يؤول ويرجع إلى العدد ، ويصيرَ مع فرض واحدٍ آخر معه اثنين ؛ إذ الاثنان من حيث هما اثنان لابدّ وأن يشتركا في ذاتيّ أو عَرَضي ، وأقلّ ذلك صدق العدد العارض لهما ، والعرضي يجب أن يستند إلى الذات ، فيلزم كون البسيط قابلاً وفاعلاً ، أو إلى الذاتيّ المشترك ، فيلزم التركيب .
وسرّ ذلك ما قلنا مرارا من أنّ الكلّ بالنسبة إليه ـ عزّ شأنه ـ مستهلك باطل، فليس معه شيء حتّى يكون ثانيا له ، فليست وحدته عدديّةً يتألّف منها الأعداد ، وسيجيء زيادة بسط لذلك . ۳
يعني في تفسير سورة التوحيد .

1.توحيد المفضّل ، ص ۱۷۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۴۸ .

2.شرح توحيد الصدوق لقاضي سعيد القمّي ، ج ۱ ، ص ۱۴۳ .

3.شرح توحيد الصدوق لقاضي سعيد القمّي ، ج ۱ ، ص ۱۴۴ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
434

قوله : «لا يتغيّر اللّه بانغيار المخلوق» .
الانغيار : هو الحركة في الغيريّة ، وكلّ متحرّك يتغيّر من حالة إلى حالة حسبَ تحريك محرّك وتغييره ، فالمحرّك أيضا يتحرّك ويتغيّر لا محالة ، ولكن إذا كان تحريكه التحريكَ الذي نرى ونشاهد ، وإذ لا يمكن أن يتسلسل التغيّرات لا إلى نهاية، فلابدّ أن تنتهي ، فهناك مغيّر غير متغيّر ومحرِّك غير متحرِّك قطعا ، فذلك التحريك هو فعل اللّه الذي لا تصل إليه العقول ولا تعلم كنهه ، وإنّما اضطرّت على الإقرار بتحقّقه، ولا تدري كيف هو كما هو الشأن في فاعل ذلك الفعل (نظم) :

راه يابندگان ستراَلَستبيش ازين پى نبرده اند كه هست
وفي المجلس الرابع من كتاب توحيد المفضّل : «الحقّ الذي تطلب معرفته من الأشياء هو أربعة أوجه :
فأوّلها : أن ينظر أ موجود هو أم ليس بموجود ؟
والثاني : أن يعرف ما هو في ذاته وجوهره ؟
والثالث : أن يعرف كيف هو ؟ وما صفته ؟
والرابع : أن يعلم لماذا هو ؟ ولأيّة علّة ؟
فليس من هذه الوجوه شيء يمكن المخلوقَ أن يعرفه من الخالق حقَّ معرفته غير أنّه موجود فقط ، فإذا قلنا : وكيف؟ وما هو؟ فممتنع علم كنهه وكمال معرفته به ، وأمّا لماذا هو؟ فساقط في صفة الخالق ؛ لأنّه جلّ ثناؤه علّة كلّ شيء ، وليس شيء بعلّة له ، ثمّ ليس علم الإنسان بأنّه موجود موجب له أن يعلم ما هو؟ وكيف هو ؟ كما أنّ علمه بوجود النفس لا يوجب أن يعلم ما هي؟ وكيف هي ؟ وكذلك الاُمور الروحانيّة اللطيفة.
فإن قالوا : فأنتم الآنَ تصفون من قصور العلم عنه وصفاته ۱ كأنّه غير معلوم .
قيل له : هو كذلك من جهةٍ إذا رام العقل معرفة كنهه والإحاطَة به ، وهو من جهة

1.في المصدر : «وصفا حتّى» بدل «وصفاته».

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 130189
صفحه از 637
پرینت  ارسال به