وأيضا لو كان كذلك لكان النسبة إلى الغير نفسَ ذاته ، أو داخلاً في ذاته ؛ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا .
وأيضا لو كان وجب عليه شيء بنفس الذات لكانت المعلولات في مرتبة الذات، كيف ؟ ولا يجوّزون ذلك ـ أي كونَ الشيء واجبا على شيء بنفس الذات ـ في سائر الممكنات كما يقولون في المهيّة من حيث هي إنّها ليست إلّا حيث هي حتّى كانت لوازمها في تلك الرتبة مقطوع النظر منها ، وأباحوا ذلك في الواحد الحقّ ؛ تعالى من ذلك علوّا كبيرا .
نعم ، الأشياء إنّما تجب بذواتها؛ لأنّه سبحانه حكم بوجودها وأمر بشهودها ، إذ لا رادّ لقضائه ، ولا معقّب لحكمه ، ولا أنّها وجبت به سبحانه ، وفرق ما بينهما بُعد ما بين الأرض والسماء ، وكلّ شيء إنّما يجب بما يجب ، فيوجَد عن اللّه تعالى ؛ إذ الكلّ يصدر عن أمره ، ولا يجب عليه سبحانه شيء بوجه من الوجوه .
وهذا من أسرار علم الربوبيّة ، والناس من ذلك في مِرية ، ولا تُصْغِ إلى قول اُولئك المتفلسفة المختلفة الأهواء ؛ فإنّهم ضلّوا وأضلّوا كثيرا ، وإيّاك أن تلتفت إلى أهواء هؤلاء المبتدعة الأشرار : «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ»۱ .
أقول : ذكر الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام في توحيد المفضّل في المجلس الرابع بعد إثبات أنّ الأشياء كلّها تحت تدبير الحكيم القدير : «أنّ الذي سمّوه طبيعةً هو سنّته في خلقه ، الجاريةُ على ما أجراها عليه» ۲ فتدبّر ثمّ تبصّر .
قوله عليه السلام : «لا تقيّده الأدوات» .
قال الفاضل شارح التوحيد :
الأدوات هي التي بها يتأتّى فعل الفاعل ويتمكّن من الفعل ، سواء كانت آلةً جسمانيّة كآلات الصانعين ، أو قوّةً جسمانيّة كقوى الحيوان والنبات والآدميّين ، أو ملكةً راسخة كملكات الشعراء والكاتبين ، أو حيثيّةً ذاتيّة كما للملائكة المهيمنين .
ولا ريب أنّ هذه الاُمور قيودات الفاعل بها حيث لا يقدر كلّ واحد من هؤلاء الفواعل على فعل ليس فيه أدواته ، كما أنّ الكاتب لا يقدر من جهة ملكة الكتابة على الشعر ، ولا