439
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وأيضا لو كان كذلك لكان النسبة إلى الغير نفسَ ذاته ، أو داخلاً في ذاته ؛ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا .
وأيضا لو كان وجب عليه شيء بنفس الذات لكانت المعلولات في مرتبة الذات، كيف ؟ ولا يجوّزون ذلك ـ أي كونَ الشيء واجبا على شيء بنفس الذات ـ في سائر الممكنات كما يقولون في المهيّة من حيث هي إنّها ليست إلّا حيث هي حتّى كانت لوازمها في تلك الرتبة مقطوع النظر منها ، وأباحوا ذلك في الواحد الحقّ ؛ تعالى من ذلك علوّا كبيرا .
نعم ، الأشياء إنّما تجب بذواتها؛ لأنّه سبحانه حكم بوجودها وأمر بشهودها ، إذ لا رادّ لقضائه ، ولا معقّب لحكمه ، ولا أنّها وجبت به سبحانه ، وفرق ما بينهما بُعد ما بين الأرض والسماء ، وكلّ شيء إنّما يجب بما يجب ، فيوجَد عن اللّه تعالى ؛ إذ الكلّ يصدر عن أمره ، ولا يجب عليه سبحانه شيء بوجه من الوجوه .
وهذا من أسرار علم الربوبيّة ، والناس من ذلك في مِرية ، ولا تُصْغِ إلى قول اُولئك المتفلسفة المختلفة الأهواء ؛ فإنّهم ضلّوا وأضلّوا كثيرا ، وإيّاك أن تلتفت إلى أهواء هؤلاء المبتدعة الأشرار : «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ»۱ .
أقول : ذكر الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام في توحيد المفضّل في المجلس الرابع بعد إثبات أنّ الأشياء كلّها تحت تدبير الحكيم القدير : «أنّ الذي سمّوه طبيعةً هو سنّته في خلقه ، الجاريةُ على ما أجراها عليه» ۲ فتدبّر ثمّ تبصّر .
قوله عليه السلام : «لا تقيّده الأدوات» .
قال الفاضل شارح التوحيد :
الأدوات هي التي بها يتأتّى فعل الفاعل ويتمكّن من الفعل ، سواء كانت آلةً جسمانيّة كآلات الصانعين ، أو قوّةً جسمانيّة كقوى الحيوان والنبات والآدميّين ، أو ملكةً راسخة كملكات الشعراء والكاتبين ، أو حيثيّةً ذاتيّة كما للملائكة المهيمنين .
ولا ريب أنّ هذه الاُمور قيودات الفاعل بها حيث لا يقدر كلّ واحد من هؤلاء الفواعل على فعل ليس فيه أدواته ، كما أنّ الكاتب لا يقدر من جهة ملكة الكتابة على الشعر ، ولا

1.شرح توحيد الصدوق لقاضي سعيد القمّي ، ج ۱ ، ص ۱۴۷ ـ ۱۴۹ . والآية في سوره هود (۱۱) : ۱۱۳ .

2.توحيد المفضّل ، ص ۵۵ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۶۷ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
438

المبدأ ، والاستحقاق باعتبار ترتّب معناه المعروف وغايته على الذات ، والتعمّق في أنّ الذات الأقدس فرد حقيقي له بأن يكون الوجود تمام الحقيقة المقدّسة ، وامتاز عن سائر الأفراد بقيامه بذاته ، أو فرد عرضي بأن يكون عرضا عامّا بين الممكن والواجب من الفضول التي سمّي في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام المذكورة سابقا ترك التعمّق فيها رسوخا في العلم ، فهو موجود خارج عن حدّ التعطيل لا بعد عدم ، بمعنى غير داخل في حدّ التشبيه .
قوله عليه السلام : «فاعِلٌ لا بالاضطرارٍ» .
في خطبة من خطب نهج البلاغة : «فاعل لا باضطرار» . ۱
وقال الفاضل شارح التوحيد :
اعلم أنّ كلّ علّة من العلل العقليّة والطبيعيّة فإنّما يفعل بقضاء حتم حُكم عليه، ووجوبٍ سابق سُبق إليه سبق من اللّه إليه ، وكذلك جرت سنّة اللّه التي لا تبديل لها ؛ «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً»۲ ، «وَلَنْ تَجِدُ لِسُنَّةِ اللّهِ تَحْوِيلاً»۳ وذلك لأنّ اللّه ـ عزّ برهانه ـ أودع في كلّ حقيقة من الحقائق ما لا يمكنه إلّا أن يظهر في الوجود الآثار ، وأن يؤدّى الأمانة إلى أهلها من الأبرار والفجّار ، وأمّا اللّه ـ عزّ شأنه ـ فليس يفعل بأن وجب عليه ، ولا بأن يضطرّ في خلق ما خلق ؛ وذلك لأنّ ذلك الوجوب إمّا ناشٍ من اللّه سبحانه أو من غيره ، وإذ لا أثر للغير فلا معنى لكون اللا شيء مؤثّرا ، مع أنّه يلزم تأثّره ـ عزّ شأنه ـ من الغير ، وكذا لا يسأل إلى كون الوجوب ناشئا من الذات ، سواءً كان من الذات من حيث هي هي أو من صفة من صفاتها ، وإلّا لكان الواحد من جميع الجهات فاعلاً وقابلاً ؛ إذ هو من حيث إنّه موجِب ـ على اسم الفاعل ـ غيرُه من حيث إنّه موجَب ـ على اسم المفعول ـ فيتكثّر الجهات ، وذلك ينافي أحديّة الذات .
وأيضا من المحقَّق عند أهل الحقّ أنّه سبحانه لايوجب شيئا ، ولا يقتضيه ، ولا يلزم هو شيئا ، ولا يلزمه شيء ؛ وذلك لأنّ المقتضي للشيء والموجِب له بذاته لابدّ وأن يستكمل به .

1.نهج البلاغة ، ص ۲۷۲ ، الخطبة ۱۸۶ .

2.الفتح (۴۸) : ۲۳ .

3.الأحزاب (۳۳) : ۶۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103687
صفحه از 637
پرینت  ارسال به